ثقافة

عن مهرجان درنة المسرحي.. أمواتٌ أحياءُ

 

محمد المغبوب

الحمدُ لله رب العالمين لتيسيره رحلتي من طرابلس أزور درنة بعد ربع قرن من زيارتي الأولى لها أحضر الحفل الاختتامي لمهرجان (درنة الزاهرة) للمسرح حيث كان الخوف يسكنَّني وأن ابعده عني خاصة عند جوازات المطار في صالة البرنيق الأنيقة في بنغازي وعند خروجي تلقفني سائقي السيارت كلٌ يعرض على توصيل إلى محطة الركاب الخاصة؛ وهذا يحدث في كل المطارت العربية خاصة كمدخل إضافي له إلا السائق الذي أوصلني فهو لا يتقاضى مرتبًا؛ وكذلك زوجته في حين أن الصبايا يقبضن مرتبات شهرية وهن في البيوت قاعدات فلم يكن له من هم إلا الحصول على مرتب من الحكومة التي هي ليستْ أمه ولا أبيه .

لم اشعر بأنني في غير مدينتي طرابلس حيث التطابق التام والعدل في توزيع الخراب وعشوائية البناء والشوارع؛ وهي الخاصية التي وجدتها حتى وصولي درنة عند الليل حيث الظلمة والمطبات فلم أتبين شيئًا من المعالم جيدًا.

من بنغازي إلى البيضاء مرورًا بالمرج ثم من البيضاء إلى درنة حيث مقر الإقامة في مصيف يلفظ أنفاسه تقريبًا شرح صدري لقائي الأصدقاء الكاتب منصور بوشناف، سيد المنوعات عطية باني المخرج الرائع محمد بلعم، والفنان المتميز علي الفلاح، والمخرج فرج بوفاخرة، والصوتي والصحفية فتحية الجديدي، والمخرج عبد الله الزروق والفنانة خدوجة صبري، والفنان الصاعد الذي بُخس حقه في جائزة يستحقها جيدًا عبد الله الفاندي ووجوه أخرى من الوسط الفني كله يقيمون لدرنة عرسًا فنيًا لم يوزع جوائزه على من أستحق التتويج عن عمله.

كانت اللإقامة متواضعة جدًا؛ وهذا أمرٌ لم اقم له وزنًا فاللَّمة الأجملُ مع من يقاسمونك حتى أحلامك وحفلات الغناء والموسيقة تنسيك حتى نفسك بود متبادلٍ وآمال مرتقبة لا تأتي.

اليوم الأول وجسدي مرهقًا أخذونا إلى الجامعة بعد ترميمها من تخريب الدواعش لها وأفرحَ قلوبنا لعودتها تضم غرف العلم والطلبة يجولون ردهاتها بفرح طفولي، ثم زيارتنا إلى الإذاعة المحلية، وهي تحت التأهيل ثم عدنا إلى المصيف لوجبة الغداء.

خالا ذلك تقفز الأسئلة إلى نفسك ولا تقبض على الإجابة فكل شيء ساكن في درنة مثلها مثل أي مدينة عانت وما تزال تعاني بفعل الحرب على المناصب والسلطة من أجل ثراء سريع.

أسئلة عدة هي على طرف لساني، ولسان غيري في كل المدن والمناطق والرغبة الوحيدة لدينا هي قيام الدولة مثل أي بلاد في العالم .

في المسرح حيث مكان الاحتفال بإختتام الدورة كان الزحام شديدًا لمشاهدة آخر العروض مسرحية (فيه فيل) للمخرج محمد الصادق كانت الآراء حوله متباينة .

حضر رسميًا معنا نحن العوام شخصيات عديدة منها وزيرة الدولة لشوؤن المرأة التي ألقت كلمة كونها إعلامية جيدة، ووزيرة الثقافة، ومدير التوجيه المعنوي الذي ألقى كلمته وقصيدة له عن ليبيا وحبنا لها.

وزيرة الثقافة لا أقارنها بوزيرة الثقافة لحكومة دبيبة بل بوزير الثقافة في الجزائر ومصر وسوريا والمغرب وتونس وليس بأي وزير في أوروبا مثلاً .

لا فرق تقريبًا بينهما والتقييم يأتي من الأداء .

وزيرة ثقافة باشاغا مع أن لبسها عصري وبحجاب لا تصافح الرجال، وارتجلت كلمة بسيطة بأخطاء لغوية تعجن الدارجة مع الفصحى ولا تدري وأنتَ تستمع إليها ماذا تريد أن تقول ؟.

والقول هنا يحمل عدة أوجه في هكذا حال للثقافة يفصح عن أسئلة لها إجابة واضحة، ويقدم رسائل مفهومة وكذلك عرض الحال وأسبابه ولمحة عن المشروع الثقافي للوزارة .

لا شيء من ذلك جاء في كلمتها إلا أنه حازة على حضور إعلامي ونزلت من الركح كما صعدت له بخطوات بدت لي مرتعشة

هكذا حال الثقافة عبرت عنه وزير دبيبة ووزيرة باشاغا لخص المشهد السياسي والإقتصادي وحتى الاجتماعي منه فكل شيء له ملمحه ويعبر عنه فشأننا الأول هو ثقافي إلى أبعد الحدود ،ثقافة الدولة الراعية وللاستهلاك والأنانية وشخصنة المؤسسات واكراسي الدولة والا مشروع نهضوية أو حتى تحسيني بمستوى بسيط.

وهكذا تتعدد الأزمات ويسود الفساد وينخر سوسه البلاد كلها فعلى سبيل المثال يصير الجبل الأخضر وحده سلة غذائية للعالم له؛ ودرنة فضاء سياحي يأتي بطائل الأموال للبلاد وتتغير عدة مفاهيم نتيجة الاختلاط مع ثقافات أخرى تأتي للإستجمام وينتشر المسرح، والسينما يكون لها حضورها البارز والفعال.

حين العودة وحديثنا في السيارة التي تأخر سائقها كي يملأ الوقود كان عن حجب لجنة المهرجان الجوائز عن الجميع مع وجود نص جيد للأديب أحمد إبراهيم الفقيه، وممثل جيد أيضا وهو عبد الله الفاندي تحت عنوان : ( كاتب لم يكتب) .. كما برزت الممثلة عبير في مسرحية (البحر فيه فيل)، وهي بالمعنى الشعبي (البحر فيه كلب)، أي وجوب الحذر من شيء يدار في الخفاء,

فمن هو الفيلُ ؟

إنه الخفي الذي يظهر بوجه الفساد، فساد في المؤسسات تجد بعض ملفاتها على طاولة النائب العام، وفساد عبرت عنه المحاصَّصة، وفساد في الشح الشديد للخدمات العامة للنَّاس، وفساد في تأخير الانتخابات وفساد في أغلب البنوك وحتى التدهور الحاد في الأخلاق العامة من الكذب العلني والخداع الواضح والسرقة في وضح النهار وعمليات التهريب للسلع وفساد سببه قيمة الدينار أمام العُملات الأجنبية الأخرى وهذا كل يشكل فشلاً ذريعًا لك ما يشبه ملامح الدولة في شكل البرلمان الأعلى والحكومات ومؤسسات البلاد كلها .

هذ الحجب أيضا لخص سلطة القوي على الضعيف.

وحدها كان يجب أن يكون لها الرأي في كل شيء هي المؤسسة الثقافية حيث تدرك النخبة وطلائعها عند تمكنها من وجودها لترعى الثقافة التي هي تكمن في كل أوصال الدولة؛ فالمحاصَّصة ليست إلا ترضية لبعض الوجوه وأكثر من حكومة هو تقسيم البلاد وتكريس البقاء في السلطة يعني الإستبداد بتفرد الرأي الواحد وهذا يعني وجود الدولة الفاشلة التي تدس في جيبها الحكومة العميقة من أجل تبديد الثروة، أو تكدسها عند القلة على حساب الجميع .

كل الأزمات المتعددة في وجود الأشخاص الجهلة والإمعة والتبعية الشخصية في كل مفاصل السلطة لا ينتج عنها إلى تخزين الغضب في صدور الناس البسطاء ما يمكن أن يأتي بحرب أخرى تكمل ما تبقى من بنيان.

فإلى أين يسيرون بالبلاد يمكن لها أن تستوعب أكثر من مائة مليون شجرة مثمرة في الجبل الأخضر، ويمكن أن يتحول الجنوب إلى من مفازات رملية إلى غابات من (تين ونخل وزيتون وتتسع أي مدينة أخرى لعمران شاهق يسع الجميع .

ما لدينا الآن ليس إلا الطرق المحفرة والتي لا رصيف ولا إضاءة لها، وكل ما في الأمر عشوائية وكأننا في مضارب بني تغلب بكر أو عبس وليس فيها لا عبلة ولا عنترة بن شداد، فلا فرق بين حي في طرابلس أو في أي مدينة أخرى كأننا الأشباح فيها .

الفيل هو خوفنا من إذا ما دخلنا البحر لسنا ندري ونحن أمواتٌ أحياءُ,

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى