رأي

محمد دخيل.. الجزء الأول للكاتب والأديب أمين مازن

 

استحق السيد محمد دخيل عضوية المجلس التشريعي الطرابلسي بين الثلاثين المنتخبين لذلك المجلس بواسطة الاقتراع و الذي كان يجري يومئذ عن طريق رؤساء «اللحمات» و ليس الافراد، إذ يتولى كل رئيس مجموعة اختيار من يرى من المرشحين بحجة أنه سيقوم بهذه المهمة بالتشاور مع المعنيين للحد من الازدحام أو قل ما شئت من التبريرات الرامية إخفاء الغرض الحقيقي، و هو توجيه عملية التصويت نحو ما ترغبه السلطة المُكلَّفة بالتنفيذ، أي أن هذه الطريقة تجعل صاحب الصوت يُحرَم من تسمية من يثق فيه لمأمور التسجيل، و كان السيد دخيل هذا في تلك الأيام يخطو خطواته الأولى في مشواره الإقتصادي الذي أفلح فيه أيما فلاح مع ما توالى من أيام، مبتدئاً بتصدير ثمرة الخروع المشهورة في تصنيع مستحضرات الزيوت العلاجية، و قد كانت تملأ الوديان و لا تحتاج إلا لمن يتولى تجميعها و يفقه الطريق نحو أسواقها، و هي و الحالة هذه غير معروفة لدى الكثيرين و لا تحتاج إلا لمن يدأب على إيصالها لمن يعرف جدواها و يتكفل بتسديد مردودها، و قد دلّت بلا جدال على ما توفر عليه السيد دخيل من الدراية، فلم يعد ذلك المُدرِّس الذي عُرِفَ لدى البعض ذات يوم في مدرسة الظهرة و ربما غيرها من أحياء طرابلس بعد أن نزح من مسقط رأسه زليتن ليقيم في المدينة و يتعرَّف على عدد من سابقيه في المهنة ممن عملوا على تنظيمها نقابياً كمهنة، ثم تتحول إلى تجمع تفتّحَ في وقتٍ مبكر على بعض الأهداف السياسية عندما انخرطوا في الأنشطة المعادية لمحرر العقود الإيطالي الشهير جيبيلَّي و ما سعى إليه من القطاعات العريضة من التجمع الليبي في اتجاه طرح الماضي و التوجه نحو المستقبل و هو ما لم تسترح له الإدارة البريطانية و بعدها الوطنية فأثارت ما استطاعت من الحساسيات و ما هيأه لها بعض السطحيين الذين أدّوا أسوأ الخدمات من حيث الإعتقاد بأن ما فعلوه هو الأفضل و الذي بلغ ذروته في مشاركة التجمع النقابي الوليد في مدينة طرابلس و هو يستنكر حكم المحكمة العليا ببطلان دستورية المرسوم الملكي بحل المجلس التشريعي الطرابلسي إذ كانوا بموقفهم ذاك منحازين للوالي السيد الصديق المنتصر الذي أُسنِدت إليه ولاية طرابلس دونما مسعى من رئيس الوزراء محمود المنتصر كما اعتقد البعض، و الذي بدر منه من التصرّف «أي الصديق» ما دفع النائب مصطفى المنتصر إلى إثارة موضوعه في مجلس النواب كما تشهد المحاضر المحفوظة، لقد انسحب أولئك النقابيون إلى أشغالهم الخاصة بعيداً عن الشأن النقابي باستثناء السيد سالم شيتا الذي واصل مشواره النقابي و وثّق علاقته بالمحيط المتمثل بشكل خاص في تونس التي أنزلته المنزلة اللائقة في الأوساط النقابية و التي ما لبثت أن ساعدته على مواصلة مشروعه النقابي، فيما سلك السيد محمد دخيل وغيره طرقاً أخرى فتمثلت على نحوٍ خاص بالنسبة لدخيل الذي بدأ في انتهاج الطريق التجاري و من باب التصدير تحديدا، كما أشرنا في صدر هذه المقاربة، إذ أطلق على نشاطه ذاك من الأسماء «شركة التنمية الوطنية» لما يحمله مشروع التصدير لنبات الخروع البرّي تحديداً من صدقية عبارة التنمية الوطنية بالنسبة لنمو رأسماله و الذي ما لبث أن عمل على تعزيز أسباب نموه بخوضه معركة انتخابات المجلس التشريعي المُشار إليه لما يؤدي إليه من اتساع دوائر العلاقات بما تفتحه عادة من سبل التواصل و توفر أسباب المنافسة الشريفة و التي طالما قلل من فرص وجودها اختلال تكافؤ النفوذ بين أبناء الوطن الواحد و النشاط الواحد، فكان أن خاض دخيل المعركة الانتخابية ففاز بأحد المقعدين المخصصين لبلدة زليتن و الذي كان مشغولاً من الشيخ محمد بحيح و قبله الشيخ غريبي مما جعل مجيئ دخيل تحولاً ذا أثر في العلاقات الجديدة التي تزامنت مع النشاط النفطي و ما أحدثه من أثر في حياة الناس و مواقفهم و أنماط سلوكهم و نوعية تكويناتهم و التي كثيراً ما أثرت في بنية المؤسسات أكثر من تأثيرها على الأفراد، إذ بقدر ما كان وجود الشيخ بحيح مؤثراً في تشكيل هيئة المكتب من رئيس و نائب و رقابة صفحة البيانات المتعلقة بشخصه و ما أخذ يتشكل من تنظيمات شعبية و اقتصادية، تظفي عضوية المجالس التشريعية و غيرها على الفائزين بها المزيد من فرص تبوأ مقاعدهاغير أن الذي ليس لمن عاصر المرحلة  بوعي  إلا أن يشهد به هو ما اتصف  به محمد دخيل من التعقّل و التصرّف بما لا يخالف المعطيات القائمة و المقومات المكتسبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى