ثقافةليبيا

أنا الشعر مخزن الألم… قصائد من تحت الأنقاض

 

المشهد الشعري الشاب في ليبيا

إعداد: سميرة البوزيدي

 

في كتابة الشعر الحديث بليبيا يمثل الجيل الألفيني المرحلة الشعرية الأخيرة زمنياً في صنف قصيدة النثر تحديداً, والتي انطلقت من فترتها الأولى من جيل الثمانينيات التي يمثلها مفتاح العماري, فوزية شلابي, فرج العشة, محمد الكيش, فاطمة محمود وفرج العربي وسالم العوكلي وعائشة المغربي, وعبدالسلام العجيلي وغيرهم, تلتها مرحلة التسعينيات التي حوت تجارب من بينها حواء القمودي وسعاد سالم وسميرة البوزيدي, علي الربيعي, صالح قادربو وغيرهم.

فيما يمثل الجيل الجديد من التجارب الشابة اسماء مختلفة استطاعت في فترة زمنية وجيزة أن ترسخ نفسها ساعدتها على ذلك منابر السوشيل ميديا كالفيس وتويتر والمدونات والمواقع الثقافية المختلفة, وكلها ساهمت في سهولة انتشار هذه الأصوات التي راكمت نصوصها ودفعت بها سريعا إلى المطابع لنشرها في كتب وترويحها في معارض الكتب المختلفة, استفادت هذه الأصوات من الكم الهائل من التجارب الاخرى سواء في الوطن العربي أو المترجمة لتعطينا نوعاً جديداً من قصيدة النثر وهو نوع مغاير وجدلي وقلق ومغامر جداً, نوع استطاع أن يؤسس لأسماء ليبية شابة في المشهد الشعري العربي من بينها:

جمعة الموفق, علي حورية, سراج الدين الورفلي, نورهان عبد الحق,مفتاح العلواني, صفية العايش, فيروز العوكلي, محمد عبدالله, وصال سالم و غيرهم .

يمكن القول أن السمة العامة التي تجمع هذه الاسماء هي وجود حساسية شعرية جديدة اعتمدت التجديد كليا وضرب السائد والمقدس,ايضا النزوع الى استنباط رؤى والرغبة في تحطيم الاعتياد بالتحرر من الرومانسيات الساذجة والاقتراب بالنص من حدود المغامر والتخريب , ايضا الانتصار للذات والجسد والابتعاد عن الشعارات والوطنيات الزائفة,يمكن القول بكل اطمئنان ان نص هذه المرحلة انتصر لذاتيته والتي ربط أحوالها بالمحيط بكل ظروفه ولعل الظرف السائد في معظم النصوص هو ظرف الحرب وكيف استطاع أن يلقي بظله المعتم على النصوص ,ايضا لايمكن إغفال التقارب على مستوى اللغة والصياغات وشيوع التناص المنتج والذي احيانا يكون طاغيا لدرجة الشعور كأنه نص واحد لأسماء مختلفة,وهذا يكون طبيعيا لفئات الشباب التي لم تكتمل تجربتها كليا,أيضا هذه الأصوات يميزها اصرارها الشعري بالكتابة المتواصلة والتنافسية لمحاولة نمطها الخاص .

 

جمعة الموفق

مشوار طويل مع الحرية وأسئلة الوجود

يمثل هذا الاصرار الصوت الشعري للشاعر جمعة الموفق والذي يمكن القول انه صنع قاموسه الخاص المفتوح من الذات باتجاه الأخر,يعج هذا القاموس بلغة الغضب والشتائم وغرس الاسئلة المختلفة في ثنايا النص,أيضا النزوع الى التكثيف والادهاش ولفهم هذه التجربة التي تميل الى النوع الذي لايبحث عن قارىء هو نص يفرغ ماعنده دفعة واحدة ولايعول على فهم احد له,وهو نص متمرد بدون ان يقصد التمرد كلفت انتباه بل التمرد الضمني الطبيعي ضمن سياقات الكتابة المختلفة التي تعتمد على لغتها الخاصة ولعله هو من يصف نصه بدقة هنا/

نصي مباشر مثل الطعنات مثل الرصاصة التي تستقر بين الحاجبين وفي القلب

لافخاخ ولامكائد

لاثورية ولامساحيق

نص فج,وقح غير حليق

لايعرف التهذيب

نص صائع من هذا القاع

من هذا الحضيض

يبدو نص الموفق في البداية كأنه مزيجا من تأثيرات قراءات مختلفة لميلر والماغوط وبوكوفسكي لكنه لايلبث أن يجد نصه الخاص بل ونمطه ايضا ,النمط الذي يكرس مفردته وصياغته و تطرفه في اللامبالاة/

منتش منذ البارحة

الخفة لا الدم من يجري في عروقي

صديقي المهرج وهبني ليلة جمال خالدة

سيجارتي حشيش وأكثر نكته بذاءة

ضحكنا على كل شيء

على الوطن والبيت والهموم والبخلاء والمخنثين والمترهلين والوقرين وساسة البلد

سخرنا على تواريخ ميلادنا على السلاحف

والبعير وبوله الشافي

على السرطان والايدز والبواسير

على الأخبار العاجلة والموامراة وحروب الجيل الخامس

الشاعر لايفسر شيئا يضع أسئلته في مواجهة الخراب و الفساد /

أهو الفساد في الأرض لست أدري

قابلني العار ورمقني باستخفاف

لم يحدث إن سألت عاهرة عن أسبابها

ولما يسرق اللص كوابل الكهرباء

ولم أسأل عن الذين يقطعون الماء عن المدن

ولما يُكفّر جارنا

ولما يحفون الشوارب ويعفون اللحي

ولما يصرخون على المنابر

أردت أن اعيش بنصف وعي

وبنصف أمنية جبارة

ولكن ياالهي لماذا يقتلون الحديقة?

ثم في نص تعالي لنموت معاً يتدرج الشاعر من حالة اللوعة الجسدية وسؤال اللذة إلى الحيرة ازاء الوجود والعالم غير مباليا وبلغة سلسة ينتقل بنا /

كان يجب ان تكوني هنا

فوق هذا السرير الأن

معي تحت الملاءة,تحت جنون القصف ودوي المدافع

عارية كما خلقك الله تماما

نتدرج من مقام المجون الى مقام العواء إلى الصرخة البهية

أنت حزينة هناك شاحبة ونهداك ضجران

وحلمتاك تنشان الذباب

كان يجب ان تكوني هنا فالعالم مشغول بأشياء أهم

بالربيع أكثر من ست سنوات

هذا العالم مشغول باالنفايات والانبعاثات وبمسابقات الجمال وكأس العالم مشغول جدا هذا العالم بصناع الدمار والموت

اما نحن فلدينا ضجرنا

وجسدينا المختلين.

الموفق يشكل لوحده في هذا الجيل علامة مهمة اتخذت من الكتابة السلسة الخالية من التكلف الشعري والتهاويم الساذجة طريقه نحو الشعر ولنختم بهذا النص الذي يقول الكثير/

الحرب ستنتهي

لا تقلق ولا تشغل بالك

حتى ذلك الوقت ابق رأسك منخفضا

الإعتزاز بنفسك في هذه الأيام حماقة كبرى

وحتى في الأيام التالية

التي تشعر فيها المدافع بالصداع

بعض الحروب ضرورة

وبعضها عبث لكنها ستنتهي يوما

حافظ على هدوءك ريثما ينتهي الأوغاد من كنس أوساخهم

أو يكنسهم أوغاد آخرون

اشغل نفسك بشيء ما

اعلف حصانك لأجل سباق مفترض

أوابن عضلاتك

واعد أي عاهرة متاحة على الرصيف

الحرب ستنتهي

ابق رأسك منخفضا أو علقه على سارية ما

بجوار العلم.

سراج الدين الورفلي

صوت النهر

النص الشعري لدى سراج الدين يذهب بعيدا نحو أمكنة وأزقة وظلال,تحتل الطفولة شوارعه,

ويمشي الشاعر بداخله الى الطرق المفتوحة نص لافت استطاع بهدؤ واصرار ان يطور نصه مع الزمن,مستفيدا من مخزون الذاكرة

يؤسفني ما أكتبه

يؤسفني كل هذا الهراء

دون أن يتقاسم معي كأسي رجل صالح!

دون أن أعثر على فخذ امرأة في هذا الليل الكبير!

يؤسفني أن الكلمات مجرد لعبة ساذجة

وأن الكلاب تملك الشجاعة لتنبح

بينما أنا لا أجرؤ إلا على إقفال النوافذ

يؤسفني ما أكتبه , ما أقوله , ومالا أتفوه به

يؤسفني أني لم أكن يوماً في صف إله أو شيطان

وأن خدعتي الوحيدة هي الوحدة والبؤس

يؤسفني أني لم أكن يوماً شيوعياً أو رأسمالياً

يسارياً أو يمينياً

لم أكن متحرراً لأحصل على نساء كثيرات

أو متديناً لأحصل على نساء أكثر

يؤسفني أني مثل كل الخائبين والمفقودين والعاديين جداً

أحضرت الشراك

وذهبت إلى الغابة

لأصطاد ما أظنه أنا

فبقيتُ غامضاً

كفردة حذاء قرب النهر!

نرى هذه المكاشفة المفتوحة على التأويل والمليئة بالدلالات الطازجة التي تأخد القارئ وتضعه في مقام الحيرة ازاء هذا الوضوح الذي لم يتخلى عن شاعريته في سرد جميل وتلقائي

متخففا من أحمال ورهق التفسير يقود الشاعر معانيه ويدلها على النهر الذي يجري في قصائده ومفردة النهر لدى سراج نراها حية تتدفق في معظم نصوصه.. أيضا الغابات والفأس والأشجار ,ربما هي نتاج ذاكرة الطفولة

ولنرى هذه العذوبة الخفيفة

نلتقي في رشفة حليب رائب

مثل شعبين من بكتيريا اللاكتيك

نتحدث بصعوبة

مثل مخيلة محطة قطار مهجورة

نضحك بصعوبة

مثل نهر لن يعود إلى نبعه

مهما حاول التذكر أو النسيان

نصمتُ بغزارة

ننطفئ بغزارة

تتناثر في هذا النص أفعال كثير بصيغة الجمع او المثنى العاشق/نتحدث,نصمت,ننطفئ,نشعل, نمضي,وبشاعرية خفيفة على الروح, يأخذنا المفتتح الجميل والذي يحوي دهشة حلوة عندما يقول

نلتقي في رشفة حليب رائب

مثل شعبين من بكتيريا اللاكتيك

هي فنطازية تشبيهية رائعة تشد القارئ لإكمال النص والدخول لاحقا في فيض من الأفعال الدالة, ليبث حر كة نشطة بالنص.. وفي إطلالة عليهن يقدم لنا سراج هذا النقش الجميل وهويحكي عنهن في نص العاديات/ أحب النساء العاديات, اللواتي يلبسن القفاطين المنزلية, اللواتي يجمعن شعرهن بنوع من الضجر الى أعلى, اللواتي يهتممن برجالهن كما يفعلن بالأثاث المنزلي, يرممنه قدر المستطاع وإن أثبت عدم جدواه يرمينه في الخزانة أو من شرفاتهن العالية, الهادئات أثناء العواصف, المزعجات حين يشعرن بالملل, الخائفات من الرتابة, الشجاعات حين يتعلق الأمر بالمراهنات الفاشلة, الوحيدات في دوراتهن الشهرية, المنزويات في خلايا اليوم, اللواتي يطلقن الرصاص بشكل عشوائي حين يشعرن بالغيرة,

علي حورية

الحاجة لكتابة نصوص أكثر رقة وعاطفية

تجربة أخرى وضعت سمتها الخاصة في المشهد الشعري وخلال فترة زمنية قصيرة استطاعت نصوصه أن تأخذ مكانتها وهي تجربة الشاعر علي حورية,تتميز بتلك اللذعة الخاصة وحساسيتها العالية,الكتابةبصوفية شعرية بديعة تظهر في ثنايا نصه, بروح طفولية غاضبة احيانا ومشاكسة ووقورة ومتعذبة أيضا هو نص يحمل افكاره ويفسرها على طريقته تأخذ معظم نصوصه نمط المشهد السينمائي المتكامل,تحضر احوال الذات والجسد والأخر لكن دون ان يتخلى عن التصاعد الحر داخل نصه ذاهبا به صوب رؤى شعرية جميلة ومؤثرة وضمن حركية الموت والحياة والحب والألم تتداخل النصوص بصياغات مختلفة وتعطي للنص حيويته النابعة من داخله

ايضا الانزياح الواضح بين المتخيل والحقيقي وتعشيق النص بالسؤال,نص حورية مألوف وبسيط وعميق , ولنرى في النص الموالي الحرب بعين العاشق بزاوية الميلان العذب/

حين تقترب الحرب

وتندلع النيران

في الأزقة والأحياء

حين تعجّ الطرقات بالمترايس

والمقابر بالموتى

والأجساد بالشظايا

حين يُرهب صوت الرصاص زقزقة العصافير

حين تخلو الأشجار من الأوراق

والشوارع من المارة

ولم يعد ثمة تلاميذ يرجعون من المدرسة

أشعر بحاجة شديدة إليك

حاجة ماسّة وملحّة

أشعر بحاجة

لمشاهدة صورك الجميلة

في قبو أو تحت درج

أشعر بحاجة

لكتابة أكثر النصوص رقة وعاطفية

أنتم يامن تقطنون البلدان الآمنة

والمدن البعيدة عن الحرب

إنكم لاتتصورون

كم أشعر بالأسف تجاهكم

لأنكم لم تجربوا

لذة الحب تحت القذائف.

لاتكلف في هذا السرد الشعري الذي يبدأ بالعام وينتهي بالذات,عبر تصور شعوري آخاذ يوضح التباين مابين زمن الحرب وروح الشاعر,سرد سلس فيه خطاب ونداء .. في النص التالي تندلع الغرائبية كون المتحدث هي روح الشاعر الميت الذي يتكلم من وراء لحده مفسرا كل شيء ببساطة فادحة/

روحي قُبضتْ

وجسدي تحلل منذ زمن بعيد

والجريدة التي تعلو قبري يبست

والأزهار التي وضعها بعض الطيبين عند الشاهدة جفت واضمحلت

وآثار الأقدام التي كانت تعج بالقرب تلاشت واختفت

صرت شبحا الآن

لست غير اسم شاحب في ذاكرة العجوز المقعدة التي كانت حبيبتي

أنا لست حزينا ولست سعيدا

لست صاحيا أو نائما

لست شيئا على الإطلاق

حتى يقول/

لقد اشتقت لكوني آدميا

اشتقت لكل شيء

اشتقت لغربتي

لخوفي المرعب

للحزن العظيم الذي كان يجثم على صدري

للحوادث الكبيرة التي كانت تُفتعل قرب رأسي.

تتجمع الرؤى لصياغات باهرة تذهب بالنص إلى أبعد حد وتفسير الماورائي الذي لايفسر,بنسق تصاعدي يفرض الشاعر تشويقا معينا كونها حالة غرائبية تتعلق بالموت والحياة,وكيف يكون صوت الموت في الشعر,هذا التقمص الشعري للموت جاء حارا لحالة باردة كالموت و هذا يحيل الى التضاد الذي خلقته الكلمات داخل النص

في نص أنا فضيحة يأتي المفتتح صادما بعض الشيء وجاذبا لانتباه القارئ عبر لغة رؤيوية ومنذرة اللغة التى ترى أبعد مما يراه الأخرون /

أنا فضيحة

تأكل الطعام وتمشي في الأسواق

فضيحة تجرف كل شيء في طريقها

عذرا أيها المارة

إنني أعرف كل شيء عنكم

سأفضحكم جميعا

إنني أملك مفاتيح الأسرار جميعها

في نص امنحيني نهاية لائقة يشاع البخور الحزين للكلمات يختبر الحب صلابته الهشة بالنداء الحزين, يرفع سقف الليل ويحاول أن يكون قريبا

أريد أن

أريد أن أسمع قصائدي بصوتك

أريد أن أسمع صوتي من حنجرتك

أريد أن أسمعه بأذنيك

أريد أن أغمر نفسي في بركة من الدم

أن أنزف من كل مسامة

وأتمرغ في حقل من القطن

لأرسم ما لا يقال.

فيروز العوكلي

قدمت للشوارع الحرة مشية مرتبكة

نص فيروز نص سريع ومباغت يضع نقاط استفهام ولايبالي بالاجابة,نص مهموم بالمرأة وبحريتها وخوفها واحوالها في بيئة مختنقة/

حذفت صوري التي بلا حجاب..

حذفت صوري التي بالحجاب..

تلك الملتقطة في شوارع قدمت لي حرية مؤقتة وقدمت لها ضحكة لا تعرف كيف تمشي دون أن ترتطم بالرصيف, وتلك التي فيها ضحكتي مدانة.

هذه التي تضحك بلا حجاب تظن أنها تحررت من كل ما علق بمشيتها وطريقة كلامها من سطوة بلدها

ممثلة تعيش دور الأحلام

هكذا أكتبها بركاكة لأن المشهد برمته ركيك وتافه.

هذه المبتسمة بالحجاب

مثيرة للشفقة

تصيبني بالطمأنينة بشكل مفزع ومقرف.

هو نص صريح يضع اصابعه على الجروح المفتوحة ,ولايبالي , الجميل ان طريقة فيروز بسيطة جدا دون ان تكون مغرقة في النسوية المضادة هي تسوق افكارها ببساطة والامبالاة تقول مالديها وتمشي

أقولها اليوم دون أن أشعر بالحزن

لقد ضاعت فرصتي في أن أعيش وأن أكون أنا وأن أعجب بهذه الأنا.. أقول لا بأس.. فالشيء الوحيد الذي أجيده -مضطرة- هو التأقلم, لكنني لا أعرف حتى على أي شيء سأتأقلم هذ المرة!

لا أدري كيف سأراوغ هذا الضياع!

كل صوري كاذبة.. لكنه الرضوخ هو كل ما أجد نفسي فيه كل مرة.

هي تحمل همها هنا تتكلم عنها بصيغة الألم

بنبرة متوجعة تصبح صوتا للكثيرات ممن رضخن والذي الذي لاينتهي حتى يبدأ من جديد

الملاحظ في صياغات فيروز الشعرية هو نزوعها للتبسيط فلاتجد في أثناء القراءة تلكؤ ما تحاول ام تقول ماعندها مرة واحدة ولينتهي الأمر.. ولنقرأ الأن هذا النص الجريء والجميل والذي يعتبر من اجمل نصوصها

من قال

إنها لن تقبلك

لأن رقبتك قبيحة?

ستقبل ك يا حبيبي

وستترك على رقبتك القبيحة

آثار اللون الذي أحب

لتلعنه في مرآة نهارك

ستفتح لك ساقيها

طريق فجوة اللا شيء

لون الحياة والموت

حافة الخطيئة وبوح الجث

لن تثيرك كلماتها البذيئة

بلهجة لا تعرفها

في زخم البلل..

مفتاح العلواني

فتح الأزقة المغلقة

عندما تقرأ نصا لمفتاح العلواني لابد ان تلحظ وسط هذه الكلمات الكثيرة تلك الروح المعلقة في الهواء تتقلب مع النسيم وتهزها الأعاصير فتكتب بغضب وحزن,يغلب عليه شجنا معينا ,لكنه ينحت نصه بثقة في وجه الحزن والخوف والحرب

في آخر الليل

وعندما تأخذ الحرب سنة

من النوم ربما..

سنتسلل يا صديقي بحذر

ونسرق مفاتيح الشوارع من جيبها

العميق..

نفتح الأزقة المغلقة بهدوء

وندخل على أطراف أرواحنا..

نسلّم على البيوت الفارغة..

نسلك الطرق التي صارت غريبة..

سنكون حذرين كثيراً

كي لا توقظ خشخشة المفاتيح

الحرب..

من يعلم?

الكتابة عن الفرح بشكل حزين,اغتنام تلك الكسرة الشعرية التي يهبها الشعر في لحظة ما بسرد متوالي وبصورخلابة عن الفرح عندما يكون مسروقا, بلهفة الحزانى يقول/

عندما تحصل على كسرة صغيرة

من الفرح ترتبك..

تخاف عليها..

تشعر أن الكل يترصدك لأجلها..

تقبض عليها بكلتا يديك..

تدسها بجيب قلبك الواسع..

تسمع تدحرجها داخله

فتطمئن..

تنزوي وحيداً..

تخرجها لتمسحها من الغبار..

تمشي وتتلفت

كي لا تمتد إليها يد ما..

في نص اعتذارات يواصل الشاعر النسق النفسي التصاعدي عبر سلسلة من الاعتذارات التي تحرك النص باتجاه المعنى,بطريقته الحزينة والغاضبة يفسر مالايفسر

أعتذر لكلّ شيء..

للّيالي الّتي كنتُ أظنّها تطولُ عمداً..

للدّمعِ الّذي لم أذرفهُ بعدُ..

ليدي الّتي ما انفكّت تلوّح..

للصّباحاتِ الّتي كانت تظنّني بخيرٍ

لأنّني أبتسم..

للطّرقِ التي لم أطأها وأنا تائه

للأوغاد الّذين لم أخبرهُم أنهم

قذارةُ هذا العالم..

نورهان عبدالحق

شاعرة مسرعة تمر أمام الشيطان.. نص نورهان تحس بسرعته , فبطريقة متوالية تنتال الصور والتشبيهات والاستعارات الكثيرة, بخفة وبدون تعقيد تجمع تحت جناح نصها حنان الأمهات والروائح العطرة للنباتات .. تضع في حسبانها التنوع والاختلاف في سرد لايخلو من الدفء والرقة

أذكر شاعرة مسرعة

تمرّ من أمام الشيطان

كالبرق ,

أذكرها تشبه كل الشبابيك!

إلا أن الشبابيك كانت..

لا تشبه ..

السكك الحديدية .

أذكر بيتا كان مليئا بالصخور ,

بيتا يشبه أمي

إلا أن أمي من طين أسمر شهيّ

ثم في عطفة سوريالية جميلة تنزع بنا نحو عوالم من الروائح والمحسوسات حيث يتحول الحبيب الى عصير ليمون يشرب منه الفقراء

تقول جارتي بائعة الليمون

أنها ..

لا تجد رجلا واحدا

تخبره أحبك ,

تصنع منه عصير ليمون منعش

في العطلات الصيفية

وتطعم بقاياه للفقراء

والمساكين ,

تقول ..

لو أنّني أملك رجلا واحدا فقط

كنتُ سأشتري به الكثير من المدارس ,

ثم أحتفظ ببقاياه لنفسي عندما

يغادرني الجميع فجأة ,

ثم تواصل مهرجان الروائح هذا لتختص الشاعرات برائحة تتمازج فيها البرتقال وروائح المناجم والجدات والبيوت

هذه الصور المتوالية لمخيلة لاتخلو من طفولة التعبير

تفوح من الشاعرات

رائحة تشبه رائحة

الشارع,

رائحة البرتقال

الممزوجة برائحة

رجال الإطفاء,

رائحة سوق الخضار برائحة المناجم ,

تفوح منهنّ ..

رائحة القرنفل

رائحة الفحم

رائحة كل البيوت المدمرة ..

وفي توصيف جميل لحالات كثيرة في نص واحد بقفلته البسيطة والمدهشة

.أنا قديمة الطراز

ظلي مهذّب للغاية

كمن جرب

العيش طويلا ,

كمن قابل الكثير مثلا

كمن أحب الكثير

وكرههم بطريقة نبيلة ,

كمن أنجبت الكثير من الأولاد

دون أن تنجب ابنة واحدة

تجلب العار لهم .

ختاما وكما يقول هولدرين ماتبقى يؤسسه الشعراء, وشعراء الجيل الشعري الأخير في ليبيا والذي نراهن على تفوقه ووعيه الحاد والمفتوح,يثبت أن الشعر في ليبيا لن يموت

ماتت الحرية ومات الحق ولكن الشعر باق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى