رأي

الانتخابات والمنافسة الغير المرضية.. لأمين مازن

 

 

حَفّزتني الأجواء الانخابية و هي تتزامن مع وجودي بمسقط الرأس على استدعاء ما حفظت ذاكرتي حولها من المعلومات منذ أول انتخابات أجريت في العام الثاني و الخمسين من القرن الماضي، و في تنافس غير متكافئ بين حزبي الاستقلال و المؤتمر الوطني، و قد تأثر يومئذ بالتطاحن القبلي أو الجهوي بالأصح، لما تسببه الجمع بين تاورغاء و الجفرة بدائرة واحدة كترتيب لفوز المرشح الغريب، مما جعل الشاعر الشعبي يخرج بالشعر من دور الفن البنّاء إلى الهجاء الهدّام، اللهم إلا عديد الموظفين الذين تقدمهم المدير الذي أُبعِد، و المكلف بالبريد الذي رفض إغراءات الترقية و اقتراف جريرة شق الصف، و المستخدم البسيط الذي قبل الإحراج بقبول توكيل مرشح السلطة مقابل حجب صوته، هي ممارسات قام بها الراحلون أبو بكر الحلو و محمد بشير الحاج سالم و محمد تابابة، و تعلمنا منها امكانية التضحية و لو بحجب الصوت لتتوالى الانتخابات و تليها التصعيدات و تعود اليوم الانتخابات، إلا أن مُرشَّح تلك الأيام السيد مصطفى المنتصر،كما شهدت محاضر ذلك المجلس، لم ير في إجراءات السلطة ما يحول بينه و بين ممارسة صفة النائب الحقيقي حين لم يتردد في التصدي إلى جانب عدد من زملائه أبرزهم السيد حسين الفقيه لما لوحظ من تعالي كبير المتصرفين الطموح إلى السلطة، فتحفظ الوثائق ما اتصف من استشعار المسئولية حول كل ما أُثير من سياسات تخص الوطن فكان فيها مثالاً للتنزُّه عن التبعية المُخجلة للسلطة و الحرص على استرضائها، و يقيني أن ذلك هو ما جعل إبنه عُمر في مقدمة الذين أسسوا تنظيم القوميين العرب بليبيا، فكان أن اعتُقِلوا عقب حرب يونيو 1967 و يتم ايداعهم السجن عقب محاكمة علنية و معاملة سمحت للتنظيم العسكري الذي أفلح في إسقاط النظام الملكي في الفاتح من سبتمبر69 أن يتواصل مع هذا الفصيل الوطني و كذلك أفراد التنظيم النقابي الذين تنادوا لتأسيس التجمع الشعبي الذي قَبِلَ التعاون مع الضباط المذكورين و حملوا أكبر المسئوليات مما جعل عمر المنتصر يرأس اللجنة الشعبية العامة «مجلس الوزراء» و يدرك أكثر من مراقب منصف أنه من المشهود لهم بنظافة اليد. و أعود إلى حيث بدأت لأقول أن الذكريات عن الانتخابات كثيرة، إلا أن التدافع إلى المنافسة على مقعدها بمسقط الرأس، و الوهم بأنها -أي المنافسة- يمكن أن تكون مُرضية، فمن الصعب القبول بذلك لأن تشتت الأصوات في الغالب يأتي بسيئ النتائج، فتخسر المنطقة أولاً و الوطن أخيرا، و يجد المستبدون حجتهم للمضي في تسفيه استشارة الشعوب. على أن سيئ نتائج الانتخابات أفضل بكثير من عدم وجودها، و الويل دوماً لمن يعوقها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى