الاولىالرئيسيةتحقيقاتليبيا

الصحة تاج لا يعرفها إلا أكثر الليبيين

 

«حسبي الله ونعم الوكيل».. كلمة صارت عادية ضمن قاموس يومي لمواطن لم يعد له إلا الاستقواء بالسماء في وجه مرض لم يرحمه في الأرض.

«حسبي الله ونعم الوكيل».. جملة تعكس حالة انكسار ووجع، تتردد كثيرا في المستشفيات العامة، والمراكز الصحية العامة، والصيدليات العامة، وتتردد أكثر في المصحات، والصيدليات، ومعامل التحليل الخاصة.

فهل لك أن تتجنب المرض، أن لا تصاب بحالة سعال ديكي، يحرمك من نومة هادئة؟

هل لك أن تقنع الحمّة بأن لا تداهم رضيعا لا يعرف وزارة الصحة، أو لا تعرفه وزارة الصحة؟

لا شيء يمكن أن يحتمي به المواطن إلا التضرع لله، مع قطاع عام إذا لقيت الطبيب لا تجد الدواء، وقطاع خاص تضع يدك على النار ولا تضعها على الأسعار.

ولا من أحد يسمع (أرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).

المرض زائر بدون موعد

الصحة ما هي الصحة؟ أليست أفضل صديق في وقت الضيق؟ لقد تحولت إلى جبهة أخرى مفتوحة على مواطن بسيط لا يدري أين يفرق انشغالاته، وقد التهم السوق كل مدخراته.

من أزمة السيولة الخانقة، إلى تآكل قيمة الدينار، إلى انقطاع الكهرباء، وليس نهاية بتغول الأسعار، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.

فهل يلجأ هذا المواطن إلى المستشفى أو الصيدلية برغبته، أم مضطرا؟

المرض لا يضرب موعدا لمجيئه، ولا يستأذن أحدا، ولا يفرق بين صغير وكبير عندما يأتي بغتة.

والمشكلة كمن يستعين على الرمضاء بالنار، فحتى الرعاية الأساسية التي كنا نسجل فيها معدلات متميزة، صارت قصة معاناة أخرى، وبات المواطن يدوخ السبع دوخات من أجل جرعة تطعيم ضد الحصبة أو شلل الأطفال، لمولد قدر الله له أن يولد في هذا الظرف الليبي الصعب، هذا غير اسطوانة (مافيش سرير).

أما الكلام عن أسعار أدوية الأمراض المزمنة كالقلب، والسكري، فهو مرض أخر حتى صار دواء مريض واحد يلتهم أكثر من نصف المرتب، وتصور الموقف عندما يكون أكثر من مريض، في أسرة واحدة.

والأسوأ عندما تجد الليبيين يزدحمون على عيادة في جربة، لا تتعدى مساحتها العشرة في الثمانية متر، وقد تركوا خلفهم أبراج المراكز الطبية، والمستشفيات المنتشرة في غير مكان.

هؤلاء المرضى لا يريدون زراعة شعر، أو إزالة ترهلات، أو تجميل أنف، فقط يريدون دواء من أجل البقاء، فهل ما يطلبونه صعبا؟

في عصر تقنيات الهندسة الوراثية، وزراعة الخلايا الجذعية، صار المواطن الليبي يتجه إلى التعاويذ، والمشعوذين، ورشيتات ما قبل عصر التاريخ، بسبب قلة المعرفة من جهة، وضعف الحال من أخرى.

تضخيم الفواتير والصحة تدفع

ويظل موضوع العلاج بالخارج على حساب الدولة ملفا أخر، أو حالة نزيف أخرى، لا بداية من العلاج حسب الشخص، وليس التشخيص، ولا نهاية بتحايل المصحات الخارجية، وتضخيمها لأرقام الديون.

يضاف إلى هم المصحات الخارجية على دولة، هم المصحات الداخلية وقصة توطين العلاج في الداخل والتي خلفها ما خلفها، حيث الخدمة التي بألف تسجل وزارة الصحة بعشرة، ومواطن يقول: «رغم انه لدي موافقة من الصحة بالعلاج على حساب الدولة في مصحة خاصة إلا انهم اخذوا اجرة العملية على دائر المليم، ونقدا، وقالوا سوف نسترجع لك ما دفعته فور وصول القيمة من الصحة، ولكن بعد ان دفعت الصحة قاموا بارجاع المبلغ بصك (وبرا وتعالى، المؤسف ان المبلغ الذي تم تحويله الى الصحة ضعف المبلغ المطلوب ضعفين».

كيف وصلنا إلى هذا، سؤال أكثر صعب، في وقت أكثر من صعب؟ ولكن لعلنا محتاجين أن نسأل أيضا كيف تكون الصحة معنا وكيف نكون معها، فالصحة تاج لا يعرفه إلا الكثير من الليبيين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى