إستطلاعاتالاولىالرئيسية

الصحفي هو الموظف الوحيد الذي يتم اعتقاله لأنه يقوم بعمله

 

يَروي «دايفيد كابلان» من صحيفة (يو أس نيوز) التي تَطبعَ يومياً مليوني نسخة فيما يصل عدد قرائها إلى 10 ملايين:

أنه في عام 1976 كتبَ «دون بولز» في صحيفة ولاية أريزونا تحقيقاً عن المافيا فقتلَ على إثره في انفجار داخل سيارته في سياق الجرائم المنظمة التي كانت تقوم بها المافيا هناك.

على إثر تلك الحادثة تحركتْ جمعية المحرّرين الاستقصائيين، وجندتْ عددًا كبيرًا من الصحافيين لمتابعة التحقيق الذي بدأه «دون بولز»، وقرَّر 50 صحافياً في الولايات المتحدة الأمريكية الرد على هذه الجريمة عبر الذهاب إلى أريزونا، وكتابة تحقيقات استقصائية تكشف جرائم المافيا، وأسماء رجالاتها ونُشرتْ في صحف أمريكا بعد ستة أشهر من العمل المتواصل ما أرغم المحاكم على التحرك وإلقاء القبض على المجرمين، وسوقهم إلى المحاكمة، مذ ذاك الحين لم يقتل أي صحافي في الولايات المتحدة الأمريكي.

إذا نحن ماذا قدمنا لزملائنا الذين طالتهم يد الغدر فقتلوا، أو أولئك الذين تم احتجازهم قسريًا، وتم مصادرة معداتهم، وقفات هنا، وشجب هناك ثم بعد ذلك تختفي الحماسة، وننسى كلياً أن الدور سيكون علينا في المرة القادمة.

وفي هذا اليوم لإنهاء الإفلات من العقاب ضد الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين، أحاول من خلال خبرتي كصحافية التي تجاوزت العشرين عاماً أن أقدم في هذه الورقة شيئاً من الحقائق حول واقع الصحافة في ليبيا على مدى تلك الفترة.

ما هي أشكال العنف والاضطهاد التي يتعرض لها الصحافي الليبي؟، وماهي سُبل وقفها؟

لم يجد الصحافي الليبي الأمان في عمله الصحفي مع الأنظمة التي مرت بليبيا، بل الأمر أصبح أكثر عنفًا، ووحشية.

حتى المواطن العادي بإمكانه بمسدس صاعق، أو سكين مصادرة معدات الصحافي وإيقافه عن العمل وحتى طرده من مكان عمله، ففي إحدى المرات التي كانت مفجعة بالنسبة ليّ حين حاولتُ تصوير ازدحام محطات الوقود في وقت أزمة البنزين تعرض ليّ مواطن بالسباب، والشتم بأقبح الألفاظ، وكان يقف مصادفة شقيق أحد الصحافيات اللائي كن موجودات معي في حافلة العمل أثناء التصوير، واشتبك الشابان في شجار عنيف دخلا على إثره للمستشفى، وقد استمر الشجار إلى ما يقارب أربع ساعات، ومنذ تلك الحادثة قرَّرتُ أن أقوم بالتصوير بمفردي لكي اتحمل عواقب عملي.

ونحن إذا نريد أن نحدّد أشكال العنف، والاضطهاد في ليبيا ضد الصحافي، فإننا نقول أقلها اعتداء المواطن عليك، ومنعك من القيام بعملك، فهناك الاخفاء القسري، والاعتقال لمجرد حمل الكاميرا حتى لو كان مصرحًا لك بحملها، القتل في أحيان كثيرة، حرمانك من الحصول على المعلومة التي هي من حقك؛ فليبيا كانت من ضمن الدول التي وقعت على المادة (19) من حقوق الإنسان لعام 1948.

أيضا خلق المكاتب الإعلامية بالمؤسسات الحكومية، والوزارات التي جعلت العمل الصحفي في ليبيا مقنن في حدود ما تسمح به هذه المكاتب من إعطاء معلومة، حسب رائي هذا يقع من أنواع الاضطهاد، والعنف الذي يتعرض له الصحافي الليبي.

ماهي سُبل وقف هذا العنف والاضطهاد؟

يا تُرى هل يحق ليّ أن أضع حلولاً لوقف حالات العنف، والاضطهاد للصحافي في ليبيا؟ ولكن هناك جملة من النقاط أود أن أذكرها حسب ما أرى.

* معرفة دور الصحافي من قبل جميع جهات الدولة.

يجب معرفة أن الصحافي يقوم بعمله مثل أي موظف آخر يقوم بدوره، فهل يمكن اعتقال طبيب لأنه قام بعمله، أو استخدام العنف مع المهندس لأنه صمم عمارة.

* إصدار قوانين تحمي الصحافي.

* استحداث بنود في المؤسسات الصحافية لحماية الصحافي.

* عدم افلات أي أحد يتعرض للصحافي من العقاب.

* يجب على الصحافي معرفة واجباته كي يستطيع المطالبة بحقوقه.ماهي آليات الحماية والدعم التي يلجأ إليها الصحافي في حالة الطواريء؟

أولا لابد من وجود قوانين تكفل الحماية للصحافي في ليبيا، فبالاطلاع على القانون الليبي قانون المطبوعات رقم 76 لسنة 1972.. فالقانون بمواده 51 لا توجد مادة واحدة تنص على حماية الصحافي، وعدم التعرض له، فكلها تركز على محدودية التعبير، وضبط الصحف، والمطبوعات المختلفة، والمطابع وفقًا لهذا القانون، فهل سنرى مستقبلاً في الدستور القادم آليات ومواد وقوانين لحماية الصحافي.

الداعم الأول والأخير للصحافي في حالة الطواريء هو المؤسسة الإعلامية التي يعمل بها الصحافي إذ لابد أن توفر له الحماية والدعم، ولكن في ليبيا لا توجد.

ففي حادثة وقعتْ معي أثناء اعتقال الأمني الداخلي لي في فترة النظام السابق، وحين اتصالي بمدير المؤسسة التي أعمل بها قال لي أنا لا أستطيع أن أفعل لك شيئاً، «من قال لك أن تخرجي دون تكليف ؟؟ تساءلتُ إذا ما فائدة البطاقة التعريفية التي أحملها، وتم إطلاق سراحي من هناك (بالمجاودة) مثلما يقولون، وبناءً عليه لأبد من أن يحوي أي قرار تأسيس أية مؤسسة إعلامية على بنود تحمي الصحافي، وتضمن حقوقه.

إنشاء نقابة خاصة بالصحافيين تتميز بالقوة وعلى دراية بعملها، فما نراه من تخبط الآن وكل مجموعة « تلم بعضها» وتقول أنا نقابة الإعلاميين أو الصحافيين هذا يضعف مكانتنا بين المهن.

الآلية الأهم على الصحافي أن يتعلم أن يكون محاميًا لنفسه، قبل أن يقدم على أي عمل صحفي.

على الصحافي الالتزام بنوع العمل الذي يقوم فلا يجوز للصحافي الذي يقوم بتغطية النزاعات المسلحة ان يرتدي ملابس عسكرية كاملة، ويجول في الصفوف الأولى مع المحاربين بل يجب عليه ارتداء ملابس مدنية، مع سترة واقية تحمل شعار الصحافة المتعارف عليه، وأن يرتدي خوذة الحماية حتى يتسنى للطرف الآخر معرفة انه صحافي لا يمكن استهدافه، وإذا ما تم استهدافه سيكون لدينا الحجج لفرض عقاب على قاتله.

ليبيا منذ عام 2011 والصحافي في حالة طواريء ولم نرَ توفير أي نوع من الحماية له.

دور المؤسسات الحكومية المتمثلة في: وزارة الداخلية، والحقوقية في حماية الصحافي:

يجب على المؤسسات الحكومية أن تؤمن بحق الصحافي في الحصول على المعلومة، وحرية تدفق المعلومات في اتجاهين.

لوزارة الداخلية الدور الأكبر في حماية الصحافي، وضمان حقوقه لذلك وجب التنسيق فيما بينها وبين المؤسسات الإعلامية فلا يجوز اعتقال صحافي يقوم بعمله، ولديه بطاقة تثبت إنه صحافي ينتمي لمؤسسة إعلامية.

من ضمن المواقف الطريفة التي حدثت بهذا الخصوص قمتُ بتكليف صحافيين عندما توليتُ منصب مدير التحرير لصحيفة (الحياة) التابعة لمؤسسة الصحافة بنغازي وحرّرتُ لهما تكليفاً بهذا العمل، ولكن بمجرد نزولهما للشارع تم اعتقالهما من قبل إحدى نقاط الشرطة، وعندما ذهبتُ لإخراجهما وفي أثناء حديثي مع مدير المركز قلتُ له نحن صحفية رسمية نتبع الدولة قال ليّ «وين ندري عليك أنا أي دولة تتبعي»، وفي النهاية تم اخراج الصحافيين بالمجاودة ولم يعترفوا لا بالصحيفة ولا بالمؤسسة التي نعمل بها.

على وزارة الداخلية أن تمنح مساحة من الحرية للصحافي في تغطية ما يحدث في البلاد مادام الصحافي يحمل تكليفاً رسمياً، أو بطاقة تسمح له بالعمل فلا داعي لاعتقاله أو مصادرة الكاميرا، فالصحافي أصبح هو الموظف الوحيد الذي يتم اعتقاله لمجرد أنه يقوم بعمله!!

وفي النهاية لابد من التنسيق فيما بين المؤسسات الإعلامية، ووزارة الداخلية بالخصوص.

لا توجد جمعية أو منظمة حقوقية تدعم الصحافي خاصة في المنطقة الشرقية، تدرس أوضاعهم، وترفع التقارير التي تمسهم وتمس حريتهم إلى مؤسسات الدولة او المنظمات العالمية.

كانت هناك انبثاقة لمنظمة شبابية إعلامية اسمها (مسار) لأسباب ما بدأت تختفي عن الساحة.

مدى وعي الصحافي بحقوقه، وكيف يمكن التوعية بهذه الحقوق؟

من عيوب الصحافي في هذه الفترة إنه لا يعي حقوقه فنجد أن أغلب الصحافيين يقعون في مطبات كثيرة، ولا يستطيعون الخروج منها وذلك لأنهم يجهلون حقوقهم، وكيف المطالبة بها وحمايتها لذلك وجب على المؤسسات الإعلامية إقامة اجتماعات بين الفينة، والأخرى للصحافيين العاملين، بها لتوعيتهم بحقوقهم، وواجباتهم فالصحافي ليس مجرد ناقل للمعلومات فقط فهو إنسان وموظف، ولابد أن يكون هناك اهتمام به من الجوانب كافة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى