رأي

ثورة أخلاقية

 

 

أبوبكر المحجوب

سنوات طويلة مضت هي تراكمات شكلّت سلوكيات مجتمع بكامل أطيافه ومستوياته, فقد كانت تعيش داخل مسمى دولة و لكن في الداخل لا وجود لدولة و لا وجود لمؤسسات تعمل على تلبية حاجات المواطن من ضرورات الحياة , لقد كانت تعيش حكم فرد جاوز كل أشكال الديكتاتوريات التي عرفها العالم قديما وحديثا فالمسؤولين عن أمن البلاد كان دورهم منحصرا إلى حد كبير و منحازا إلى الأمن السياسي أي حفظ أمن الحاكم وعائلته فقط , و مسموح بانتقاد ما دون ذلك و بهذا الشكل نماء بين الناس أمراض اجتماعية عديدة فانتشرت البغضاء والكراهية بينهم وانطلقت نيران الفتنة في الهشيم فزادته احتراقا , نتج عنه ظهور الفقر  والجهل والمرض و تصاعد وتيرة الجريمة , و حدّث ولا حرج عن السرقات التي طالت أنابيب الغاز ولعب الأطفال , وباقي دور الأمن محصور في حماية الحاكم وعائلته فقط. و أشهر القصص في ذلك الزمان أن مواطنا قد سرقت سيارته ، فما كان منه إلا أن قال للشرطة رأيت سيارتي وبها أشخاص ملتحيين و فوهة البنادق الكلاكشن كوف ظاهرة من نوافذ السيارة , و في خلال الأربع و عشرين ساعة تم القبض على السارق وهو أحد السوابق في سرقة السيارات,  وبعد الضغط على المواطن اعترف بأنه لجأ إلى هذا حتى يهتموا به وقد كان.

نعم لقد تغيرت سلوكيات المجتمع الليبي و ابتعد عن عاداته و تقاليده السمحة التي تؤكد هويته و تعزز من  شخصيته فارتكب أخطأ جسيمة لها آثارها المستقبلية كالزواج من أفارقة والإخوة العرب بدون إتباع الطرق السليمة عند القدوم على الزواج, و زادت مؤسسات الدولة انهيارا فباتت الطرق المتهالكة  تحصد أرواح المواطنين حتى وصلت معدلات الوفيات إلى أرقام مخيفة, ورغم هذا لا وجود  لحلول سريعة لإنقاذ ما تبقى من الليبيين  .. حالة اللامبالاة من قبل مؤسسات الدولة جعلت كثير من المواطنين أن تتقمصهم الحالة نفسها فصاروا يعيشون على هامش الحياة , فكثرت الحوادث في داخل المدن وخارجها والأسباب مجتمعة مابين التهور في القيادة من قبل شباب سيء السلوك أو من مواطنين عاقلين ولكن عقولهم شاردة في مشاكلهم لحظة الحوادث ..

وهذه  أفعال دولة الحاكم جعلت الناس تنفر بعضها البعض ،  وتكرّه الناس على عدم الحضور إلى الصلاة في المساجد , بل أعطت صور مشوهة عن كثير من الشيوخ وعلماء الدين, فابتعد الناس عن وضع أولادهم في خلوات تحفيظ القرآن الكريم, ولقد سحبت كل المميزات التي تحمي الشرطي عند تصدّيه للمجرمين, مما شجع المجرمين على ارتكاب كل أنواع جرائم القتل والاغتصاب والسرقة و بيع المخدرات بكل أنواعها فكنّا أرخص دول العالم في بيع الكوكايين والهيروين ..وبتشجيع الحاكم لحرية المرأة , فقد سمح لها بالمبيت في الفنادق الليبية بمفردها وبهذا سرعان ما انتشرت الرذيلة ، حتى كتبت عنّا العديد من المجلات العربية تشير إلى هذا الانحطاط الأخلاقي الذي وصل  إليه الشعب الليبي و هم متأثرين بذلك حقا.. كل هذه التراكمات هي من صنعت هذا الحراك الغير طبيعي و الغير مسبوق ولا شبيه له في تراكمات الشعوب العربية الخارجة من أنظمتها  الديكتاتورية و إلى ثورات الربيع العربي .

هذا الحراك الذي أنتج لنا , عدة ظواهر مدمرة حقا وهي لا وجود للوطنية من قبل المتصدرين للحراك , و استباحة المال العام من قبل الجميع, ولا وجود لرؤية أو مشروع من قبل الجميع .. هذا الحراك قد أثّر في الليبيين بشكل مباشر, فجعل منهم  شعب مشتت الفكر والاتجاه وعاجز عن القيام بأي خطوة في صالح الوطن إنه في مفترق الطرق، ورغم ذلك تجده  حاضرا  قبل نقطة الانطلاق إلى التصحيح, و الذي سيكون هيّنا لو لم تتدخل قوى خارجية . و حتى يجعل الله في ذلك أمرا فإن دور منظمات المجتمع المدني مطلوب و هو تحفيز قوى المجتمع على التغيير من أجل نهضته , فتقديم الدراسات والأبحاث للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وعمل قاعدة بيانات للأسر وتنظيمها و تلبية حاجاتها الضرورية بطرق علمية فالعمل الخيري مطلوب و لكن ليس بهذا الشكل, يجب على كل الجمعيات الخيرية و المنظمات الأهلية  من أن تتوحد وتنسق العمل فيما بينها فتكثيف الجهود يأتي بأحسن الصور في العمل الجماعي . كذلك علماء الدين مطالبين هم أيضا بالتعاون فيما بينهم بتجديد الخطاب الديني و توجيه المجتمع وكل أطيافه إلى تقوى الله و العمل بالعبادات و بالطاعات أيضا فالعبادات هي معاملات الناس مع بعضها البعض في أمور الحياة وأما الطاعات فهي معاملات الناس فيما يرضي الله .. إن الإفصاح عن ترك المعاصي لدى الشباب سيبني شخصيتهم , و تشجيع الشباب على محبة مظاهرنا الإسلامية ونبذ المظاهر الأخرى ، والتي لا تمت لنا بشيء ولا صلة بيننا و بينها ستجعل منهم رجال الغد المشرق , علينا باحترام بعضنا البعض عملا بأصولنا التربوية, وهذا قول رسول الله  صلى الله عليه و سلم فهو قدوتنا و أسوتنا والذي كان خلقه القرآن والذي اهتم بالأخلاق ورفع من شأنها فقال : « إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق « .. ويذكر الشاعر أحمد شوقي في أبيات جميلة عن الأخلاق قائلا :

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت .. فإن ذهبت أخلاقهم  ذهبوا

إذا أصيب القوم في أخلاقهم .. فأقم عليهم مأتما و عويلا

فالأخلاق روح الأمة ، فإذا صحت الروح عاشت الأمة, قوية عزيزة ، مرهوبة الجانب ، وإذا فسدت الروح تهاوت الأمة وخارت قواها ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى