رأي

 في ميزان الشارع الليبي..

خالد الهنشيري

أغلب شعوب العالم لديها مناسبات وأعياد وطنية وكل حدث له رمزيته  مهما تغيرت أنظمة الحكم  ، لتظل تلك المناسبات مصحوبة بدلالات تاريخية وعميقة تجمعهم ، خاصة عندما يكون الحدث مرتبطاً بالتحرر من نير الاستعمار.

يفترض أن يكون يوم 24 ديسمبر من كل عام مناسبة وطنية يتجدد فيها الشعور بالانتماء للوطن لدى كل الليبيين مهما اختلفت مشاربهم السياسية، ليس من باب الفرض أو الانحياز، وإن تباينت التفاسير  والآراء التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي حول الحدث الوطني الذي حمل إعلان مولد  ليبيا بعد إفشال مشروع «بيفن سفورزا»  الذي يقضي بتقسميها إلى  ثلاثة قطع كغنيمة استعمارية وفرض الوصاية الايطالية على إقليم طرابلس، والبريطانية على إقليم برقة، والفرنسية على إقليم فزن، لتولد  ليبيا في ذلك اليوم دولة وكيان مستقل حمل الليبيون جنسيتها وتمتعوا بالعيش فوق أرضها.

هذا الجدل دفعني على استحضار أحد المفاهيم التي طرحها فيلسوف الحضارة «مالك بن نبي» في كتابه ( شروط النهضة ) وهو القابلية للاستعمار،  يذكر فيه أن المحتل عندما يتمكن من وطن ما يسعي إلى رسم حدوده ومع مرور الزمن يصبح ذلك الشعب المحتل مؤمناً بتلك الأطروحات ويدافع بشراسة عن تلك الحدود التي رسمها المستعمر، بعد أن سيطر على كل مقدرات بلده وأقنع مواطنيه أنهم غير قادرين على إدارة شؤونهم خارج منظومته ويرسمون شخصيتهم طبقاً لتلك الحدود، بل ويدافعون عنها كي لا تزول تلك الحدود التي أقنعهم المستعمر بها برضوخ داخلي عميق!.

كان يفترض أن ٠يكون  هذا الحدث مناسبة لتوحيد الليبيين وتقريب وجهات النظر والإقتداء بتاريخ الأباء المؤسسين وإن اختلفت وجهات نظرنا لكن يجب أن تجمعنا ليبيا واحدة موحدة في ذكرى ميلادها بعيداً عن أي خطاب آخر، ولنا في مندوب دولة هايتي لدى الأمم المتحدة « ايميل سان لو» عبرة وسيرة حسنة ربما استحضارها يكون أسوة للحفاظ على هذا المكتسب الذي أخرج ليبيا من دائرة الاحتلال الايطالي والانتداب الفرنسي والبريطاني، ومحاولات تمديده عشرة أعوام أخرى لولا موقف المندوب الهاييتي ، الذي ذكرت المصادر التاريخية أنه ضحى بمنصبه ليمنح ليبيا استقلالها  في تاريخ 24 / 12 / 1951 ، أثناء اجتماع للأمم المتحدة  للتصويت بالرفض أو الموافقة على تمديد مشروع الوصاية  على ليبيا، كان صوته المعارض هو الفارق الذي أسقط المشروع برمته، وشكل حينها تحدياً للدول الكبرى والأمم المتحدة وسياسة بلاده التي كانت تسير في ركب استمرار الوصاية على ليبيا كإرث استعماري سيتم تقاسمه بين الدول المذكورة.

وينسب للسيد «لو»بعد تصويته برفض الوصايا قوله: (ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﺣﺮﻳﺔ «ﺷﻌﺐ ما» ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺗﻚ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺳﻠﺒﻬﻢ ﻫﺬا اﻟﺤﻖ مهما كلف الأمر)، لتنال ليبيا استقلالها  غير أن ذاكرة الشعوب تشوهها  الأحداث والممارسات السياسية ليحدث كل هذا الضجيج.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى