ثقافة

نص تعتريه كدمات

 

يمكث النقد التشكيلي في أوطاننا منذ أكثر من خمسين سنة عند مضارب الأسماء المكرسة من الفنانين التشكيليين كتلك الحالة الموازية عندنا من أنظمة الحكم, فالوجوه تتقلب وتتنقل من ركن الى آخر مع الاحتفاظ بمقاليد سلطتها كمبرر لوجودها ومن غير المسموح تقبل اسماء من التجارب الجديدة اصلا على كافة الأصعدة وبما ان ظروف البلدان العربية في فترات قبيل الاستقلال في هذه الأوطان تكرست تجارب فنية كانت رائدة ولها دور كبير في توطين مفهوم فن الرسم بالشكل المتعارف عليه في أوربا بعد النهضة الصناعية الكبرى , من خلال دارسين كانوا موفدين في تلك الدول وبعد عودتهم الى أوطانهم اصبحت اسمائهم ايقونات مقدسة لا يمكن المساس بها او التشكيك في قدراتها الفنية والفكرية رغم ان بعض منها كان تنهل وتستقي مصادرها من تأثيرات تجارب اوروبية كانت غائبة عن الجمهور المحلي , تجاوزت تلك التأثيرات حدود البدايات وفترات التكوين الاولى لهذه التجارب الى التماهي بها الى مدى الحياة الفنية للفنان وأصبحت استنساخ ساذج ومبتذل وتأتي نظرة الغرب المساهمة في تصنيف التجارب العربية الرائدة فلا يمكن الاعتراف من بينها إلا بتجارب الفن الفطري الساذج ذات الصبغة السياحية كنظرة فوقية وتصنيف ثقافي للشعوب وعدم قدرتها على الإبداع خصوصا للمنتج الثقافي المعتمد على الفكر والفلسفة والبحث التشكيلي العلمي المدرك لمنتجات الحداثة مما ساهم هذا العامل المؤثر في ترسيخ نمط وسلوكيات التي يتوجب على كل كاتب مقال عن الفنون التشكيلية العربية أن يسلكها وفق اختيارات جاهزة من نماذج معترف بها ومتفق عليها من خارج حدودها لأهداف أخرى ليس لها علاقة بقيم فن الرسم والفنون بشكل عام.

وتبع معظم النقاد في هذا الطريق حيث الترويج الى الفن الفطري على أنه هو الممثل الشرعي الوحيد لفن الرسم في المنطقة والأمثلة كثير ولا يمكن حصرها ولا يجب طرحها اصلا فالتجارب التي يتم التسويق لها في أغلبها غير مدركة اللغة التشكيلية المعاصرة وحتى ان وجدت تجارب في هذا النطاق والتي تمثل مغازلة لفنون ما بعد الحداثة هي في أغلبها تجارب غير ناضجة فكريا وفنيا وتتخذ من خطابها المعاصر هذا مخبأ لها إخفاء ضعفها ومحدودية ابداعها وفهمها التشكيلي فلا يمكن ان يتفاعل المتلقي المدرك للأمور الفن التشكيلي بتجارب مرتبكة وغير موزونة وتخلو من الفكرة كأساس لتكوين عمل فني ناضج ولا توجد أي قيم جمالية ولا تعتمد على المهارة والإتقان في التنفيذ والأداء الرفيع كأحد ادواتها باعتبارها محسنات تشكيلية تثري الخطاب البصري حيث انتشر الرسم الساذج والغير متقن بحجة الحديث والتمرد على القديم الكلاسيكي ومن جانب اخر في الاعمال الانشائية انتشر العبث واللهو فالكثير من المشتغلين في هذا الحقل تنقصهم الإدراك والمعرفة الكافية لطبيعة المواد والخامات التي يشتغلون عليها فالفنان الذي يشتغل على الخامة يراهن على التجريب بالنجاح في التجربة او الاكثر خطأ ويترك للصدفة اكبر حيز من فرصة نجاح العمل بل في أغلب الأحيان لا يفرق بين أعماله الجيدة من الرديئة فهو في انتظار من يختار هذه الاعمال من اصحاب دور العرض والوسطاء وقيموا المعارض والمزادات فهم من يقرر مدى نضج عمله.

كل هذا سبب في حجب التجارب الحقيقية الموجودة فعليا رغم انها تعاني من بقائها في الهامش وعدم الاحتفاء بها كتجارب فنية فهي مركونة على هامش الهامش باعتبار الثقافة شيء هامشي في حياتنا والفن التشكيلي دائما على هامش الثقافة وليس من أولويات مجتمعاتنا اصلا ان يكون أي دور للفنون بالمساهمة في الترقية المجتمعية والنهوض بالأوطان.

الإعلام ودوره في اظهار التجارب الفنية وتقديمها او في اخفائها والتشويش على صورتها الحقيقية من خلال اختيارات غير موفقة في اللقاءات الصحفية والتلفزيونية وتقديمها على اساس انها الرائدة في هذا المجال والأمثلة كثيرة في الصحف والمجلات المحلية والبرامج التلفزيونية فاغلب ما يتم تقديمة تتخلله المجاملات والمصالح الشخصية فتبدو التجارب كأنها غير موجودة اصلا على أقل تقدير في نظر الاخر وايضا في نظر الجمهور البعيد عن المراسم والمحترفات الفنية للفنانين الحقيقيين وتتكون صورة اخرى مزيفة تتصدر المشهد العبثي السائد.

خلاصة القول ان هناك دماء جديدة من موجات متعاقبة جديدة موجودة وجديرة بالوجود والتوقف عندها طويلا وتناولها بالنقد والدراسة من كل البلدان العربية تجارب الجديدة لما بعد الصلحي في السودان وفن ما بعد مختار والجزار وحامد ندي في مصر وتجارب المعاصرة في المغرب والجزائر وتونس وجيل التسعينات في ليبيا وجيل الحرب في سوريا والموجة الجديدة في العراق بعد حرب الخليج من فنانين في المهجر والداخل والجيل الجديد في لبنان وقطر والكويت والأردن وفلسطين وسلطنة عمان كل هذه البلدان تزخر بتجارب فنية معاصرة جدا وتدفعها حساسية جديدة مختلفة عن تلك التي كانت عند التجارب القديمة الرائدة فهي عاشت في ظروف مختلفة و عايشت أحداث كبرة متنوعة واستفادت من تقنيات متطورة في التعليم والتحصيل والاطلاع على كل ما تم إنتاجه في السابق من تجارب فنية عبر تاريخ فن الرسم والفنون البصرية بشكل عام وما لحقها من دراسات وكتابات نقدية اختصرت الكثير وفتحت عيون الأجيال على عوالم اخرى مغايرة عن ما كان في السابق.

امال الشراد

آمال محمد عبد الرحيم الورفلي/ صحافية / مدير تحرير الموقع الالكتروني لصحيفة فبراير متحصلة على :- - ليسانس في الإعلام من جامعة قاريونس سنة 1997 م - دبلوم دراسات عليا قسم الإعلام من مدرسة الإعلام والفنون بالأكاديمية الليبية .. - تعمل على إنجاز رسالة علمية لنيل درجة (الماجستير) في الصحافة . - عملت مدير تحرير للموقع الالكتروني لصحيفة فبراير بهيئة دعم وتشجيع الصحافة - عملت مدير لمكتب لجنة الإعلام والثقافة والمجتمع المدني بالمؤتمر الوطني العام من 2012 الي 2016. - عملت محررة في هيئة دعم وتشجيع الصحافة ( صحيفة فبراير) .بعد 2011 م . - عملت محررة في الهيئة العامة للصحافة من 1998 الي 2011 م. ـ عملت كباحثة وإدارية في مركز البحوث والتوثيق الإعلامي والثقافي 1997م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى