رأي

وثائق الادارتين البريطانيتين برقة وطرابلس.. للكاتب الليبي أمين مازن

 

بلغت صفحات هذا المجلد المُكرَّس للوثائق البريطانية المتعلقة بولاية طرابلس ما يزيد على أربعمائة صفحة، محددة في الفترة الزمنية الواقعة بين العام الأربعين و الحادي و الخمسين بعد التسعمائة و الألف من القرن الماضي، أي الحرب العالمية الثانية و قد كانت ليبيا واحدة من مسارح عملياتها الكبرى، و قد تولى الترجمة و الحصول على التصريح لها السيد محمد حمامة، و مراجعة من الأستاذ سالم الكبتي، و نُشِر بسلسلة كتاب الوسط القائم بتنسيقها الكاتب و الصحفي أحمد الفيتوري، و دعم الإعلامي الجاد محمود شمام مُلقيان الأضواء ما يكفي كل من يسعى للوقوف على أسرار تلك المرحلة الحاسمة لوقوعها في خضم الحرب الكونية الثانية و ما رافقها من أدق الأسرار حول غرب البلاد الليبية المُسماة ولاية طرابلس، حين كانت يومئذ موضع صراع القوتين المتحاربتين في البداية بالسلاح و ثانياً بالمناورات، كما يظهر في أول وثيقة حرص المُنسق على أن يُصدِّرَ بها الكتاب ألا و هي الخطاب الممهور بإسم كل من محمد توفيق الغرياني، عون سوف، عيسى الباروني، أحمد السويحلي، الطاهر المريّض و العيساوي بوخنجر حمل بتاريخ الخامس عشر من نوفمبر تهنئة المذكورين بالنصر و التذكير بما سبق الإتفاق عليه بشأن المشاركة في تحرير طرابلس من المحتلين الإيطاليين، و بقائهم على أهبّة الاستعداد لأي توجيه في الخصوص و حرصهم في الوقت ذاته على تنمية خبراتهم بما يُمَكّنهم من أداء أي واجب قد يُكَلَّفون به قاصدين بذلك على ما يبدو إثبات حقهم في إدارة شئون إقليمهم، خاصة و أن عديد الوثائق المبثوثة في المجلد تشير إلى أن طرابلس لم تكن مشمولة في الإتصالات التي جرت في مصر عشية استعداد مونتوجمري لمحاربة الألمان و الإيطاليين في العلمين و ما حولها عندما منيَّ النازيون و الفاشِست من الخسائر التي طالما تناقل أخبارها الرواة مستعينين في أحيانٍ كثيرة بالأهازيج الشعبية التي حفلت بأبلغ العِبَر التي أثبتت أن مصير الطغاة دوماً إلى زوال، فكان الخطاب الموجه إلى غرسياني و هو يخسر معركة العلمين، في حين كان الانتعاش الذي أوحى به إقدام الجماهير الإيطالية في ميلانو مركز الصناعة الإيطالية، على قتل موسيليني و التنكيل بجثته دافعاً لشاعر مثل أحمد الفقيه حسن إلى الطموح نحو حكم البلاد كما يثبت في الصفحات الأولى من الكتاب الذي لم يغادر كبيرة أو صغيرة إلا أحصاها عن توق الجماهير نحو الحرية و هي تتسع لنوعية الحكم فتترجّح فكرة الجمهورية، صحيح أنها تعود إلى سنوات الجهاد عشية تسمية رئيسها و مجلسها إلا أنها استُبعِدت و استُبدلت بالإمارة التي نتجت عن مؤتمر غريان في عشرينيات القرن الماضي لتوحِّدَ بين شرق البلاد و غربها و قُيدت بالدستور و اقتصرت على السيد إدريس وحده، إلا أن الحديث عنها عقب الحرب و اندحار الفاشية الإيطالية جعل من المتعذّر النيل من إشعاعها، و أياً كان الأمر فإن ما ألقته هذه الوثائق من الأضواء تجعل الحقبة أكثر وضوحاً و لا سيما ما يتعلق بأمين الجامعة العربية عبد الرحمن عزام و صلته الوثيقة بالتاريخ الليبي من عشرينيات القرن و وضوح دوره و تأثيره و الشيء ذاته ما يظهر من محاولات الإستمالة التي دأب الإيطاليون على القيام بها و التي بلغت ذروتها في مشروع سفورزا و التي تثبت هذه الوثائق ما بُذِلَ للحيلولة دونها، و لا شك أن العمل على اتساع النظر إلى المجلد المتعلق بشرق البلاد سيجعل التناول أكثر جدوى و أشمل احاطة، و أدعى إلى استخراج العِبَر الناتجة عن النظر و التدقيق كما يعلمنا ابن خلدون العظيم و هو يقدم للبشرية أثره التاريخي غير المسبوق حول التاريخ و الحياة، و بالضرورة الناس من حيث المنبع و المصب.

جمع و ترجمة محمد علي حمامة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى