إستطلاعاتالاولىالرئيسية

وزارات افتراضية..!!! واقع مزيف وصفحات تسوق الوهم

تضج مواقع مكاتب الإعلام في الوزارات السيادية وغيرها، بكثير من الأخبار والصور والمتابعات متعلقةبنشاطاتها وبمعاينتها عن كثب يتضح حجم الفارق بين ماهو منجز على خارطة الواقع وما كتب على حوائط صفحات تلك المواقع، ما يضع سمعتها الخبرية خارج نطاق المصدقية .

وهو ما قادنا لإستنتاج يقول  إن هناك وزارة افتراضية موازية لكل وزارة من وزارات  الحكومات الليبية .

كيف ذلك ؟!.

(فبراير) تسلط الضوء عليها وتجيب عن هذا السؤال :-

ظهرت في العالم العربي خلال العقدين الماضيين وقبلها بعقدين آخرين في العالم الآخر طفرة سميت «بتلفزيون الواقع» حققت برامجها نسبة مشاهدة عالية، وتفاعل غير مسبوق ، أقول وأنا لستُ بصدّد الحديث عن تلفزيون الواقع، ما يفيد هذا التحقيق هو معرفة أن أحد أسباب هذه النسب العالية هو رغبة النَّاس في مشاهدة شيء حقيقي يعكس الواقع أو يمثله دون تدخل أو فبركه « أو كانوا يضنون ذلك « .

المهم بعدها بسنوات انتشرت بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي، وبسرعة تعامل النَّاس بها بصورة فاقت كل التوقعات، ويعود سبب ذلك في اعتقاد الكثير من علماء الاجتماع والاتصال أن النَّاس خلال هذه التطبيقات يعتقدون أنهم من يصنعون هذا الواقع الافتراضي «الوهمي» أن صح التعبير، فالمشاعر معدة ومجهزة مسبقاً ما عليك إلا استخدام «الايموجي» المناسب،  بل  خلال هذا الفضاء أنتَ تشارك أو تنشر فقط ما تريده وتبتعد عن كل ما هو مؤذٍ أو لا يتماشي مع «رغباتك وميولك ومصالحك»، ولنضع هنا أكثر من خط تحت هذه الكلمات.

استمر الحال على ما هو عليه الناس فرحون بما أتاهم إلى أن صحوا من هذا الحلم أو الواقع الوهمي  على حقيقة  وهي : (استغلال حكوماتهم ووزاراتها التي من المفترض أن تقدم لهم خدمات تنجز استحقاقها وتحقق وعودها للمواطن)، اكتشف أنها تصرف المليارات في الواقع وتسوق لهم الوهم عبر صفحاتها الرسمية.

أن تشاهد واقعاً محسناً أو مفبركاً قليلاً لإضفاء  متعة أو كنوع من الترفيه، هذا الكلام مقبول إلى حد ما في الحياة الاجتماعية لكن أن تنتقل هذه الفبركة للحياة السياسية والاقتصادية ويخلط المسؤولون الوهم بالواقع ويقدم للمواطن في شكل خدمات متدنية فهذا مرفوض ويجب تعريته.

لكن كيف حدث هذا ؟

كيف يستقبل المواطن هذا الوهم ويتفاعل معه ؟

كيف استغلت الوزارات الافتراضية الوهم وسوقته للمواطن ؟ ما هو الحل ؟

الصحوة

الصحوة بدأت عندما اكتشف المواطن زيف ما تقدمه هذه الوزارات في الحكومات المتعاقبة عبر صفحاتها الرسمية، فما يشاهده من صور وما يقراؤه من أخبار ينافي مع ما يعيشه ويتعرض له على أبواب هذه الوزارات أو عبر الجهات التابعة لها .

ومن جهة الوزارات فالأمر لا يكلف شيئاً  سواء أدمن يجيد التلفيق، ومصور يستطيع التقاط الصور من زوايا مؤثرة، ليبدأ تدفق المعلومات المفبركة والمهولة والمضلّلة أحياناً التي تتغنى بانجازات الوزارة .

أمام كل هذا يقف المواطن عاجزاً عن فعل  أي شي سوى التعبير .. «باموجي» غاضب أو مستغرب أو يكتفي باموجي ضاحك.

أمثلة ونماذج

تسألنا كيف سوقت الوزارات الوهم للمواطن؟

وكيف استغلت كل ما هو متاح من تقنيات لذلك ؟

البداية ستكون بوزارة الصحة

عند دخولك للصفحة الرسمية لهذه الوزارة ستطالعك الأخبار المنشورة وستجد كل ما هو مبهر وجميل، فهنا افتتاح لقسم في مستشفى عام ، وهناك استلمت معدات تصوير ومختبرات والمواد اللازمة لتشغيلها عبر المنافذ البحرية والجوية، كذلك ستطالع أخباراً مفادها توفر اللقاحات والتطعيمات للمواليد والأطفال، ولفيروس كورونا المستجد نصيب الأسد من هذه الإخبار، فتطالع  افتتاح مراكز للعزل وتوفر مسحات التحليل وأدوات التعقيم وووو، وأخيراً وليس آخر ستجد أخبار الاجتماعات التي أكد فيها الحاضرون واتفقوا وناقشوا .. الخ، وملفات العلاج في الخارج ولجان تمكين العلاج في الداخل وكلام عن تفاهمات ومواطنين مستفيدين، في المجمل كلها أخبار جميلة تعكس واقع مستقر يتمتع فيه المواطن بكل الخدمات .

واقع مزيف

اغلب المجمعات والمستوصفات الصحية مقفلة وفي أحسن الأحوال تعمل يومين في الأسبوع، وتعمل بمعدات وأجهزة طبية متهالكة هذا إن وجدت أصلاً، كما يطلب من المواطن شراء الحقنة وأكياس التغذية وغيرها من المستلزمات إن تطلبتْ حالته، أما الصيدليات فهي خالية .

حال المستشفيات الكبرى والمراكز الصحية ليس بأفضل من المستوصفات فهي لا تجري العمليات الجراحية إلا في نطاق ضيق هذا إذا كان المواطن محظوظاً وعنده «واسطة» أما الصور المقطعية والتحليل الطبية وعلاج الأسنان فهو ترف لا ينبغي الحديث عن وجوده في المستشفيات العامة.

أما لجان تمكين العلاج في الداخل ومن ينفذ ويتحصل على علاج في الخارج لم نسمع عن آلية عملها أو ما حققته للمواطن أي شيء، ما وصلنا هو تلاعب في قيم الصكوك المحالة من وزارة الصحة والتي تزيد أضعافاً مضعفة عن القيمة الحقيقية التي يتطلبها العلاج.

إذا عرفنا أن قيمة ما انفق على وزارة الصحة هذا العام تعد بالمليار بعدة ملايين، ألا يحق لنا السؤال : أين اختفت الأجهزة والمعدات ومواد التحاليل والأدوية التي نشاهد صور وأخبار وصولها في صفحة وزارة الصحة؟  وإن وجدت في المستشفيات العامة من المستفيد منها ؟ فالمواطن تركته الوزارة تحت ضرس العيادات الخاصة.

جعجعة بلا طحين ،،،

صفحة وزارة التعليم عادة ما يكون المنشور المثبت فيها هو كلمة للوزير يتحدث فيها بكثير من الثقة والاعتزاز عما قدمته وتقدمه الوزارة،  كما يقدم من خلالها التمنيات والوعود للطلبة والمواطنين ويطمئنهم بأن تعليم ومستقبل أبنائهم في أيدٍ أمينة .

أخبار الواقع المحسن للوزارة عبر صفحتها كثيرة  منها أخبار عن اجتماعات مراقبات التعليم والتجهيز للامتحانات خاصة في زمن الكورونا !!

فبعد صدور قرار عودة الدراسة وما صاحبه من تجهيز للأسئلة الاسترشادية التي وعدت الوزارة المواطن بتوفيرها مجاناً في المدارس، كما وعدت بافتتاح قناة تعليمية تبث الدروس على مدى الـ24 ساعة للطلبة، كما تطالعك عبر الصفحة الرسمية صور لوصول تجهيزات وأدوات تعقيم وكمامات التي وعدت الوزارة بها كذلك بتوزيعها على الطلبة، و أنباء عن استعداد المعلمين لاستقبال الطلبة ومساعدتهم لتخطي هذه الظروف، ولا ننسى أخبار تعقيم المدارس وتنظيف دورات المياه.

دوامة

نعم استأنفت الدراسة، هذا الخبر صحيح ، لكن كيف استؤنفت ؟

* ما نشر حول  توفير الأسئلة الاسترشادية المطبوعة للطلبة عبر مدارسهم غير صحيح فقد ترك أولياء الأمور يدورون في دوامة البحث عن الأسئلة والتدقيق لمعرفة ما هو محذوف أو مستبعد ناهيك عن تكاليف التصوير التي أصبحت رقماً أرهق ميزانية وليّ الأمر المنهارة من شح السيولة وتأخر المرتبات إذا عرفنا  الكثير من الأسر فيها أكثر من طالب.

* القناة التعليمية التي افتتحت كما وعدت الوزارة فهي خطوة مهمة ووجودها ضروري في هذه الفترة، لكن عدم الاهتمام بما تقدمه وطريقة تقديمه افقدها أهمية وجودها، فهي تبث الدروس في أوقات غير مدروسة كذلك  عدم ذكر عنوان الدرس والسنة الموجه لها  أربك أولياء الأمور والطلبة المتابعين، كما يفتقر أداء المعلمين للخبرة في تقديم الدروس عبر  «التلفاز» ناهيك عن عدم استخدام التقنيات الحديثة في شرح وتقديم الدروس.

* استقبال المدارس العامة لطلبتها لمساعدتهم في فهم الأسئلة الاسترشادية  حدث وإن فتحت المدارس أبوابها واستقبلتهم في حين قفل البعض الآخر أبوابه،  بل قام مدير أحد مديري المدارس بطرد الطلبة قائلاً : « اللي عنده سؤال واحد بس يدخل، مكرَّراً واحد بس أثنين لا ».

أما عن توفر أدوات التعقيم،  فقالت إحدى طالبات الشهادة الإعدادية : عند دخولي في اليوم الأول فقط اعترضت طريقي إحدى المعلمات  ورشت رشتين من المعقم في يدي وتركتني ادخل نعم وفرت أدوات التعقيم لكن ليس بالعدد الكافي ولم تستخدم كما ينبغي .

وعن حال دورات المياه فلا تسأل .!!!

ويجب هنا التنويه أن كل صفحات المدارس  نشرت صوراً تعكس واقعاً محسناً للحظات استقبال الطلبة وتعقيمهم بل وتعقيم المدارس وتنظيفها قبل وصولهم .

كما لا تنفك تنشر صفحة الوزارة أخبار مشاركة مسؤوليها عبر الدائرة المغلقة في اجتماعات دولية حول التعليم وتطويره وتحسين مخرجاته .

* حال طلبة الجامعات الذين اجروا امتحاناتهم في الساحات الخارجية ليس بأحسن من حال طلبة الابتدائي والإعدادي، فهم كذلك جرى تحسين واقعهم وتحويله لصور عبر صفحة الوزارة ضاربين  بشكواهم حول – مناهجهم وعدم توفر المناهج وعدم استكمال ما هو متوفر منها هذا العام، ناهيك عن ضعفها وعدم تناسبها مع التطور الذي يشهده الهام ومتطلبات سوق العمل  – عرض الحائط …

إذن أين صرفت الملايين المخصّصة لوزارة التعليم ؟، ومَنْ المستفيد من الأدوات والتجهيزات التي اشترتها ونشرت صورها عبر صفحتها ؟.

الحقيقة والخيال

عن شركة الكهرباء يطول الحديث، ففي حين يعاني المواطن من «البلاك أوت» أو الإظلام التام مع ارتفاع درجة الحرارة وتحول حالته المعيشية لوضع كارثي بكل المقاييس تنشر صفحة الشركة الرسمية أخبار فرق الصيانة وزيارات رئيس الهيئة ومتابعاته واجتماعات المسؤولين في الغرف المكيفة، دون الإشارة للوضع الذي يعيشه المواطن أو تنبيه لعدد ساعات طرح الأحمال أو نشر أخبار حقيقية عن حقيقة ما يحدث، متجاهلين بذلك  تعليقات و ردود المتابعين التي تعكس الواقع الحقيقي الذي يتنافى مع الصورة المحسنة التي تسوقها الشركة .

وقد حدثنا أحد المواطنين بأنه من قام بإحضار المعدات اللازمة لفنيي الشركة من أعمدة  و كوابل وغيرها  ليقوموا بإرجاع الكهرباء لمنزله .

كل هذا يحدث والشركة صَرفت وتُصرف الملايين !!!

صفحات محسنة

الواقع الافتراضي يتجلى في أبهى صوره في صفحات البلديات، فالحيرة التي تنتابك وأنت تطالع صفحاتها قد تعجز الكلمات عن وصفها في أحيان كثيرة .

هذه الصفحات «المحسنة»  لم تكتفِ بتغيير الواقع بل تحاول إيهام المواطن بأن هناك مشروعات تنجز وطرق تصان داخل بلديته ليعش  الحُلم الذي يغرق عندما يأتي الشتاء !!!

كذلك هي لا تتطرق لا من  قريب أو من بعيد لأسباب تكدس القمامة ولا تعالجها هذا إن نشرت صورها، أما أخبار وصور الشوارع المتآكلة والبنية التحتية المتهالكة لشبكات المجاري وتصريف مياه الأمطار ومعاناة المواطن من استغلال الرصيف العام واستغلال البعض للفضاء العام وتحويله لمواقف للسيارات غير المرخصة، والمشروعات المعطلة داخل البلديات والتي ينفذ بعضها بمبالغ ضخمة تفوق ما هو مخصص لها .. الخ  من مظاهر معاناة المواطن اليومية  فلا مكان لها …

فقط على صفحات البلديات الافتراضية «المحسنة» تنشر صور الشوارع الرئيسة وهي ترفل في وجود الكهرباء .. أو صور لموظفي البلديات أثناء قيامهم بإحدى حملات التبرع أو التطوع «لزوم التصوير»، أو صور وأخبار ترميم أحد الشوارع أو تركيب إنارة دون أن تخبر عن تكلفة الحقيقية لهذا المشروع .

كما هو الحال في كل الوزارات هذه الوزارة صرفت لها الملايين لتقدم خدمات حقيقية للمواطن فأين صرفت؟

تجميل القبح ؟

الأمر لا يختلف في بقية الوزارات  في شرق البلاد وغربيها عما ذكرناه في هذه المساحة، ما عليكَ إلا الولوج لصفحاتهم وقراءة أخبارهم ومقارنتها بالواقع المعاش، فللأسف تسويق الوهم وباء استفحل وانتشر.

من أين يستقي المواطن الأخبار ؟

ما ذكرناه عن حال الوزارات والتناقض الواضح بين ما تنشره عبر صفحاتها وما يعيشه المواطن واقعاً ملموساً مؤلماً خلق حالة من الوعي عند المواطن بعد أن تفطن للخداع والزيف الذي تسوقه هذه الوزارات عبر نشرها لأخبار تخلط فيها القليل من الحقيقة بالكثير من التهويل والمبالغة، خاصة بعد ما كشف  تقرير ديوان المحاسبة عن حجم الميزانيات والمبالغ المّمنوحة لهذه الوزارات،  كما كشفت جهات أخرى حجم الفساد المستشري فيها، هذا ما تلمسه من خلال التعليقات والردود في هذه الصفحات .

من جهة أخرى حوَّل المواطن اهتمامه وبحثه لصفحات وجهات  أخرى للحصول على الخبر في رحلة بحثه عن الحقيقة، الأمر الذي قد يستغله البعض في تسويق ما هو أدهى وأمر، أيضاً وكردة فعل طبيعة لجاء المواطنون لإنشاء مجموعات وقروبات في محاولة لتقديم الحلول والاستشارات والأخبار الحقيقية من واقعهم المعاش والتبرعات إن لزم الأمر  .

وعليه …  على وزاراتنا أن تدرك بأن حبل الكذب في زمن «السوشل ميديا» ليس بطويل، وعليها أن  تفطن بأن هذا الاستغلال السيء لصفحات التواصل الاجتماعي لا يخدمها ولا يصب في مصلحة المواطن، راجعوا «حساباتكم».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى