رأي

الزيارة الإيطالية والمُضحك المُبكي

أمين مازن

بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الانجرار‭ ‬خلف‭ ‬السباق‭ ‬المحموم‭ ‬الذي‭ ‬تتعدى‭ ‬آثاره‭ ‬وفاعلية‭ ‬وسائله‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬المتصارعة‭ ‬من‭ ‬الأذرع‭ ‬الليبية‭ ‬ومن‭ ‬خلفها‭ ‬من‭ ‬عديد‭ ‬القوى،‭ ‬فإن‭ ‬الزيارة‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬رئيسة‭ ‬حكومة‭ ‬إيطاليا‭ ‬أخيراً‭ ‬إلى‭ ‬بلادنا‭ ‬تُوجب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يرقب‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬عندنا‭ ‬بمسؤولية‭ ‬أن‭ ‬يخص‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬بما‭ ‬يستحق‭ ‬من‭ ‬التدبُّر‭ ‬بقطع‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬جدوى‭ ‬هذا‭ ‬التدبُّر‭ ‬من‭ ‬عدمه،‭ ‬فالاهتمام‭ ‬بالأوطان‭ ‬جزءٌ‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬الإحساس‭ ‬بالوجود،‭ ‬باعتبار‭ ‬ذلك‭ ‬فوق‭ ‬المواقع‭ ‬ومستوى‭ ‬العيش‭ ‬ونوعية‭ ‬السكن‭ ‬والمركوب‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬صار‭ ‬يمثل‭ ‬هوايات‭ ‬الناس‭ ‬وقدراتهم‭ ‬أو‭ ‬لنقل‭ ‬جدارتهم‭ ‬بالتعاطي‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الشؤون‭ ‬وما‭ ‬زخرت‭ ‬به‭ ‬أحوال‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬مستجدات‭ ‬القيم‭ ‬ومقومات‭ ‬النجاح‭ ‬والفشل،‭ ‬ومما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الفهم‭ ‬قبل‭ ‬غيره‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬الزائرة‭ ‬المهمة‭ ‬لأن‭ ‬تضع‭ ‬في‭ ‬حسابها‭ ‬أن‭ ‬تشمل‭ ‬زيارتها‭ ‬غرب‭ ‬البلاد‭ ‬وشرقها،‭ ‬وإذ‭ ‬كانت‭ ‬الشواطئ‭ ‬الطويلة‭ ‬المقابلة‭ ‬لإيطاليا‭ ‬وما‭ ‬حولها‭ ‬قد‭ ‬فرضت‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الترتيبات،‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الشاطئ‭ ‬في‭ ‬عمومه‭ ‬يسمح‭ ‬لمن‭ ‬لديه‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬بلوغ‭ ‬اليابسة‭ ‬ألا‭ ‬يبذل‭ ‬سوى‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬الجهد،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬نزول‭ ‬البحرية‭ ‬الإيطالية‭ ‬قبل‭ ‬قرن‭ ‬مضى‭ ‬وفي‭ ‬زمن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬التقدم‭ ‬الفني‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬ما‭ ‬يفرض‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬شرق‭ ‬البلاد‭ ‬وإعطائها‭ ‬الوزن‭ ‬المناسب‭ ‬بالنظر‭ ‬لما‭ ‬تمليه‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬الثروات‭ ‬الطبيعية‭ ‬والكوادر‭ ‬البشرية‭ ‬أو‭ ‬الموقع‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬تيسير‭ ‬كل‭ ‬شروط‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬المحيط‭. ‬إنه‭ ‬الموقع‭ ‬الذي‭ ‬شهدت‭ ‬به‭ ‬عديد‭ ‬التقارير‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬أحداث‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬كُتِبَ‭ ‬عن‭ ‬امكانيات‭ ‬الاستثمار،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬الحركة‭ ‬الص‭.‬هيو‭.‬ني‭.‬ة‭ ‬قد‭ ‬وضعت‭ ‬بين‭ ‬خياراتها‭ ‬منطقة‭ ‬الجبل‭ ‬الأخضر‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬إنه‭ ‬المشروع‭ ‬الذي‭ ‬بادر‭ ‬إلى‭ ‬نقله‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬المرحوم‭ ‬الأستاذ‭ ‬مصطفى‭ ‬بعيو،‭ ‬ودشّنَ‭ ‬به‭ ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬دشّنَ‭ ‬المشروع‭ ‬الليبي‭ ‬التونسي‭ ‬الذي‭ ‬أُنشئ‭ ‬بسبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬الأستاذ‭ ‬خليفة‭ ‬التليسي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬عندما‭ ‬عهد‭ ‬إليه‭ ‬الطرفان‭ ‬بتلك‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬حملت‭ ‬اسم‭ ‬الدار‭ ‬العربية‭ ‬للكتاب،‭ ‬وقد‭ ‬تمكنتُ‭ ‬شخصياً‭ ‬من‭ ‬نشر‭ ‬مقاربة‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬الأسبوع‭ ‬الثقافي‭ ‬حمّلتها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الرسائل‭ ‬الدالة‭ ‬على‭ ‬توجسي‭ ‬وتوجس‭ ‬أمثالي‭ ‬من‭ ‬مشروعات‭ ‬الوحدة‭ ‬غير‭ ‬المتكافئة‭ ‬التي‭ ‬رفع‭ ‬شعارها‭ ‬نظام‭ ‬الفاتح‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬ولم‭ ‬نُخْفِ‭ ‬ذلك‭ ‬التوجس‭ ‬ولن‭ ‬ننكر‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬فهمه‭ ‬لهذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬ولم‭ ‬يحسبها‭ ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬حُسِبَ‭ ‬من‭ ‬المآخذ‭. ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬فترة‭ ‬مليئة‭ ‬بالقلق‭ ‬والتنافس‭ ‬بين‭ ‬الذين‭ ‬وجدوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬متصدرين‭ ‬للمشهد‭ ‬مفتقدين‭ ‬لكل‭ ‬مقومات‭ ‬البقاء‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬المناورة‭ ‬وتأجيل‭ ‬التمتع‭ ‬باللذائذ‭ ‬ساعد‭ ‬على‭ ‬تفادي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬مهدداً‭ ‬لسلامتهم،‭ ‬حتى‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬البقاء‭ ‬اللافت‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اليوم‭ ‬لمن‭ ‬يستعجل‭ ‬المسارعة‭ ‬بتكرار‭ ‬النهايات‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يستوعب‭ ‬البدايات‭ ‬وما‭ ‬كثر‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬السقطات‭ ‬ووجود‭ ‬قوى‭ ‬كثيرة‭ ‬تنظم‭ ‬صفوفها‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التوريث‭ ‬كما‭ ‬قد‭ ‬يتبادر‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الأذهان‭ ‬وأن‭ ‬دورة‭ ‬التاريخ‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تسمح‭ ‬لما‭ ‬سوى‭ ‬الصندوق‭ ‬حكماً‭ ‬والبطاقة‭ ‬حُجةً،‭ ‬وكل‭ ‬تساهل‭ ‬مع‭ ‬العرقلة‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬سبب‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬الطبخة‭ ‬لم‭ ‬تنضج‭ ‬بعد،‭ ‬وما‭ ‬يبذله‭ ‬بعض‭ ‬متصدري‭ ‬المشهد‭ ‬من‭ ‬اللهث‭ ‬طمعاً‭ ‬في‭ ‬البقاء‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬المُضحك‭ ‬المُبكي‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى