
على تمام الساعة الخامسة مساء يوم الثلاثاء 2024.12.17وفي بيت «إسكندر» بالمدينة القديمة بطرابلس إفتتحت فعاليات معرض تجليات الحروف الذي نظمته النقابة العامة للخطاطين الليبيين بالتعاون مع مدرسة )الضياء( التعليمية بإشراف النقيب العام للخطاطين الليبيين الأستاذ الخطاط إبراهيم المصراتي، وبالتعاون مع الأستاذ الخطاط سالم الدغيس.
تزينتْ جدرانُ صالة العرض بجماليات الخط العربي في لوحات تنشر جمال الهوية، والروح التي تنشد الإبداع من خلال تأصيل الحرف، والمشق الذي يدوزن نغم التاريخ والأصالة وفق قواعد نمطية لا تخفي جمالياتها .
وروح خطاطيها .
هذا المعرض له نبضٌ خاصٌ ومزيةٌ تختلفُ عن غيره؛ فبالرغم من إحتوائه لمختلف أنواع الخط العربيكـ)النسخ، والثلث، وخط الإجازة، والفارسي، أو النستعليق(، بالإضافة لـ)لرقعة والديواني الجلي(، وهي تعد من الخطوط المشرقية لنسبتها إلى المشرق العربي إلا أن النصيب الأوفر والأجمل صراحةً كان للخط )المغاربي، أو المغربي المبسوط( وهو ما يمتاز به خطاطو المغرب العربي من ليبيا إلى تونس والحزائر؛ وكذلك المغرب، وهو نمط خاص يمثل هوية ثقافية يتميز، وينفرد بها الخطاطون المغاربيون بشكل خاص؛ فجاءتْ معظم هذه اللوحات مزدانة بجمالها الخاص، وشخصيتها الفنية الفريدة. في هذا المعرض أُجيزتْ الطالبتان
)هناء خليفة الشريف، وأسماء بشير الغرياني( في الخط المغربي المبسوط ليصيرا وفق هذه الإجازة خطاطتين معتمدتين وفق العُرف الجاري بين مجتمع الخطاطين، وبهذا يصير لهما وضعُ توقيعهما على لوحاتهما الخطية، وإعتمادهما كخطاطتين إستكملا هذا النَّوع من الخط، وذلك من خلال لوحات قرآنية بالخط المغربي المبسوط مقسمة إلى ثلاث نوافذ نافذة للخطاطة، وأخرى للأستاذ إبراهيم المصراتي كمعلم، ومجيز، والثالثة لسالم الدغيس كشاهد على هذه الإجازة .. تنوع الحضور وسط إزدحام ملحوظ من الزائرين والمهتمين، وكذلك كثافة اللوحات التي تشير إلى عدد مبشر من الخطاطين.
استغليتُ الفرصة وطرحتُ عديد الأسئلة على بعض المشاركين أولهم أ.إبراهيم المصراتي بإعتباره الأب الحاضن صفةً وإعتباراً لهذا الحدث عن لماذا الخط العربي، والآن هنا في مثل هذا الوقت؟.
إجاب إن الخط العربي هو حرفٌ من حروف الله له من القداسة ما يجعلنا نتشرف بكونه يمثل هويتنا وأصولنا، وهو أيضًا هويتنا الدينية فديننا الإسلامي جاء بالقرآن المكتوب بالخط العربي، وهو وسيلة التواصل بيننا كعرب وينبغي علينا أن نوليه ما يستحقه من الاهتمام اللازم لأنه شخصيتنا التى لا نستطيع تجاهلها وسط الأمم.
وأضاف إننا نمتاز في البقعة الجغرافية التي نقطنها في غرب الوطن العربي بالخطوط المغاربية كـ)الخط المغربي المبسوط والمجوهر(، فضلاً عن المشرق العربي الذي يعرف بالخطوط المشرقية كـ)النسخ والثلث(، وغيره، والخط المغربي، أو المغاربي هو هويتنا الخاصة داخل الهوية العربية العامة، ويمتاز بجماله وخصوصيته، وأيضًا شارك عديد الخطاطين به في هذا المعرض، وفيه مُنِحَتْ الإجازتان للطالبتين المذكورتين؛ بالاضافة لكونه معلًما للخط العربي فهو كما يشير لديه عديد الطلبة، والطالبات من الدول الشقيقة المجاورة كـ)تونس والجزائر( جاءوا لتعلم هذا النمط من الفن في ليبيا .. لقد واجهتنا الصعابُ حقيقةً، ونحن نحاول إبراز هذا المعرض للوجود، ولم نلقَ تعاونًا يُذكرَ من الجهات المختصة، والتي من المفترض أنها تكون راعية لمثل هذا النشاط الثقافي المهم اللهم إلا مدرسة «الضياء» التعليمية مشكورة على جهودها، وتعاونها الطيب في رعاية المعرض.
أ. الخطاط سالم الدغيس :
الخط العربي باعتباره حرفًا من حروف الله كتب به القرآن الكريم هو جزء صميم في هويتنا، ونجد أنفسنا أمام واجب تعليمه كما ينبغى لأبنائنا فأنتَ لا تجد بيتًا من بيوتنا ليس فيه أحدٌ لا يقرأ القرآن، ولا يتعله بحروفه، ونحن كذلك نُعَلّمُ الطلبةَ القرآن الكريم، بالإضافة لتعليمهم الخط وهذا جهد شخصي، وواجب علينا نقدمه للبلاد.
أتمنى على الجهات المختصة الاهتمام بالتعليم بدلاً من صرف الملايين في طباعة كراسات«الخط العربي» كل عام وأن يوجهوا المعلمين، والمدرسين في العطل لأخذ دورات الخط العربي من الخطاطين ثم تعليمها لطلبتهم في العام الدراسي، وهكذا يتكون عندنا جيلٌ من الطلبة لا نقول خطاطين، ولكن من ذوي الخط الحسن، وتحسين الخط ضروري، ومهم جدًا في تشكيل شخصية الطالب، وبناء ثقته بنفسه .
أ. الخطاط حسين الفرد :
لقد أقسم اللهُ سبحانه وتعالى بالقلم حين قال :
)ن والقلم وما يسطرون( .. من هنا نفهم معنى أهمية القلم، وما يسطره كخط، والخط لا يفترق عن القلم إلا ليقول، وهنا جاء القرآن الكريم مكتوبًا بأيدي الخطاطين الأوائل، كسيدنا علي بن أبي طالب والنساخين الذين نقلوا إلينا القرانَ الكريم، وقبله ناسخي المعلقات، وغيرها من العلوم التي كلها تشير إلى أهمية الخط العربي تحديدًا في التاريخ وتوطين الهوية العربية، والإسلامية بالإضافة لكونه الحرف الذي كُتَبَ به القرآن الكريم، وبلغة أهل الجنة. وعلينا أن نهتم به أكثر اهتمامنا بهويتنا، وتجذرها عبر التاريخ وتعمقها في مختلف العلوم.. شاركتُ في هذا المعرض بلوحتين في خط الثلث وأتمنى مزيدًا من الاهتمام بهذا الجانب الثقافي المهم.
الخطاط الشاب الطموح محمد اسماعيل النكاع 15 عامًا : في البداية كان سبب توجهي لتعلم الخط بناءً على توجيهات شيخي الشيخ محمد الشريف الذي يعلمني القرآن الكريم، وجهني للشيخ سالم الدغيس، وابتديتُ في تلقي الدروس منه في الخط المغربي المبسوط حتى كوفئتُ بجائزة كانت في تحصلي على فرصة اكمال تعليمي عن الشيخ إبراهيم المصراتي مجاناً وذلك بعد أن لاحظ تفوقي واستمريتُ في تعليمي مع الشيخ إبراهيم حتى أجزتُ في الخط المغربي المبسوط عام 2024، وقد كانت بدايتي في تعلم الخط في شهر رمضان 2023 والحمد لله؛ هنا أود الإشارة إلى عمر هذا الخطاط والفترة الزمنية التي أمضاها حتى أجيز في الخط إضافة للجمال الحقيقي الواضح في جميع لوحاته. والاجازة تعني في إصطلاح الخطاطين أنه بمقدوره التوقيع على اللوحات الخطية باسمه، وبالتالي يحق له تعليم غيره فيما لو أراد لتمكنه من هذا الجنس من الإبداع.
على هامش هذا النشاط الجميل كان هناك الشيخ إبراهيم التير صاحب متجر)واو(، وهوأ محل لبيع أدوات الخط العربي .. كان هناك عديد المستلزمات الضرورية لمحبي هذا الجنس من الإبداع اتجهتُ للمتجر الذي كان مقتصرًا على طاولتين لعرض «القصبات الخيزرانية» بمختلف أنواعها كـ)الديسفولي والجاا والأحبار والمحابر( «المحبرة» هي ما يُضع فيها الحبر، وتسمى «الدواة»، والمقطات والحرير المستخدم داخل المحابر بالإضافة للورق الخاص الجاهز للمشق أو الكتابة عليه، ويسمى بـ)الورق المقهر( فضلاً عن عديد المستلزمات المهمة لمحبي الخط العربي ومحترفيه .
أ.إبراهيم التير : «متجر واو» هو أول متجر ليبي يُعنى، ويهتم بتوفير أدوات الخط العربي في بلادنا واخترنا له اسم )واو( لدلالاته الخاصة بين أوساط الخطاطين لخصوصية حرف «الواو» لديهم، وهو أيضًا اسم من داخل المنظومة التراثية التي ننتمي إليها وحين لاحظنا فقر السوق لهذه المستلزمات بادرنا إلى فتحه من أجل توفير اللازم الذي من شأنه الرفع من مستوى الاقبال على تعلم الخط العربي خاصة ونحن نشاهد تقدم الأمم الأخرى كـ«إيران وتركيا» لمئات السنوات الضوئية في خطنا الذي يفترض أن نكون نحن مَنْ يحمل قصب السبق فيه إلا أننا للأسف الشديد نظل متخلفين، خصوصًا في ليبيا عن ركب السائرين إبداعًا، وتميزًا في مجال الخط، وهنا أود أن أشير إلى غياب الدولة الليبية في هذا الجانب ففي تونس، والمغرب، والجزائر، ومصر، وغيرها تجد المعاهد التابعة للدولة، وتجد الطلبة المتدافعين، لتخريج الخطاطين بينما نحن لازلنا لا نتوفر على جانب من اهتمام الدولة بنا وهو الجانب الذي نستحقه خاصة وأننا كنا نتوفر على مثل هذه المعاهد، والمؤسسات في مدينة البيضاء، ومعهد «ابن مقلة» في طرابلس.أتوجه بخطابي هذا للدولة الليبية ووزارة التعليم حتى يعيدوا فتح معهد «ابن مقلة» للخط العربي في طرابلس ليتوفر المناخ الصحي اللازم لهذا الجانب الإبداعي المرتبط بهويتنا وتاريخنا، حقيقة ونحن نرى كل هذا الجمال، والجهد، والتكاليف لا نملك إلا التوجه لمن يهمه الأمر بالإلتفات إلى نداء الهوية الذي تذروه رياح التجاهل، والبدء في الاهتمام بجانب قد لا يعي الكثيرون أهميته سواء الثقافية والاجتماعية والنفسية والدينية بل أهميته القصوى في تشكيل الشخصية الوطنية وخصوصًا ونحن نقف على إرث كامل، وعظيم من الخط والخطاطين، وكتّاب المصاحف، والعلماء هذا الجانب من العلم والمعرفة معني مباشرة بصقل الشخصية وبناء الانسان وسط مناخٍ متأججٍ من الفن والثقافة والجمال .