رأي

محاكمة الصورة النمطية في الرواية العربية

 

خالد الهنشيري

جزئية من هموم وآفاق الرواية العربية يستعرضها الكاتب «عبدالرحمن منيف» من خلال سرد تفاصيل وأحداث تشبه محكمات للظروف المحيطة التي شكلتْ هذا الجنس الأدبي، إذ يرى ضرورة مطلقة للتفاعل الحي مع مختلف المنجزات الفنية للرواية في العالم، وهذا التفاعل هو أحد أهم مصادر إثراء الكتابة الروائية العربية وتطويرها فنياً وتوسيع آفاقها، مع تحذيره من عوقب ما يصفه بالخضوع للتقنيات والأساليب الغربية رافضاً تقليدها بشكل يصل حد الإدانة، ويرى أن الأساليب الحديثة ليستْ حداثة بل هي مجرد تقليد ومحافظة، أي نقيض الحداثة، الذي هو أيضا نقيض الإبداع!، فاعتماد التقنيات الغربية وحدها أو اعتبارها النماذج التي يجب الوصول إليها من حيث الأشكال والموضوعات لايؤدي بالضرورة إلى الحداثة الروائية.

فالحداثة الأوروبية في مرحلتها الراهنة هي ثمرة تطور موضوعي، وهذا التطور يمكن استنتاج قوانين عامة منه وله خصوصياته أيضاً، عليه فإن الهموم التي تواجه تلك الحداثة ليست بالضرورة هي هموم مجتمعاتنا لتحظى بنفس الأهمية والأولوية، كما أن الأساليب التي توصلت إليها الحداثة الأوروبية هي عبارة عن تراكم تاريخي طويل، لا تقود حكماً إلى اعتبارها وحدها الأساليب المعبرة عن الحداثة والدالة عليها، مع تأكيده أن التراث الثقافي أصبح ملكاً عاماً ومشتركاً ولابد من الاستفادة من انجازاه.

وفي مسألة تأسيس رواية عربية وتطويرها وتجديدها يرى بوجوب أن ينبع ذلك من تقاليد محلية مع الاستفادة من التراث العالمي، وأن لايقتصر دور الرواية ويُختزل في مخاطبة العقل الغربي بالقفز على القارئ العربي وتجاوزه، وسبق لمنيف أن أشار في العديد من حوارته ومقالاته إلى ما يصفه باستعارة أصابع الآخرين، وهو يقصد الأساليب الغربية الأوروبية في كتابة الرواية واستعارة كل ما هو جاهز سواء أكان استعارة من التراث القديم؛ أم استعارة من قضايا الآخرين والتوهم أنها قضايانا.

ويؤكد عبدالرحمن منيف أن من الآثار السلبية على بنية الرواية العربية أيضاً  كان المترجمون يتدخلون بفظاظفة في النص الذي يترجمونه، كانوا يضيفون إليه أو يحذفون منه ، حسب مايلائم ثقافتهم و أهواءهم ، وكانوا في أحيان كثيرة يستعرضون ثقافتهم للمقارنة، إذ يوردون في سياق الترجمة أبياتا من الشعر القديم ويقارنون بين ما قاله هذا الشاعر وماتقوله الرواية، كل ذلك في صلب العمل وكأنه جزء منه!!

يُنبه منيف على نقطة مهمة في مجال كتابة الرواية العربية هي أن العرب مرسومون في ذاكرة الغرب من خلال الاستشراق بانحيازه وأهوائه وقراءته الأحادية الجانب، حيث تتوافر فيه لغة العداء وتناقض المصالح في إطار التاريخ والعلاقة بين ثقافتين

وعندما دخل النفط رسم صورة أخرى لشعوب يحكمها شيوخ أثرياء وكسالى وجدوا بالصدفة هذه الثروة الهائلة تحت أقدامهم، وبالتالي لايمكن للعالم تركها في أيدي هؤلاء، ولتبرير ذلك لابد من إبراز صورة هؤلاء البشر، هكذا ولدت صورة لنا مشوهة ومليئة بالأخطاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى