رأي

ميزانية ضخمة وعقول فارغة

محمد الرحومي

حظيتُ‭ ‬بعلاقة‭ ‬أعتز‭ ‬بها‭ ‬جدًا‭ ‬مع‭ ‬الكاتب‭ ‬والأديب‭ ‬خليفة‭ ‬حسين‭ ‬مصطفى‭ ‬قبل‭ ‬وفاته‭.. ‬كان‭ ‬الكاتبُ‭ ‬والأديبُ‭ ‬خليفة‭ ‬حسين‭ ‬جزءًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬طموحي‭ ‬‭.. ‬وحلمي‭ ‬خاصة‭ ‬عندما‭ ‬كنتُ‭ ‬رئيسًاً‭ ‬للقسم‭ ‬الثقافي‭ ‬بصحيفة‭ ‬‮«‬الجماهيرية‮»‬‭ ‬كنتُ‭ ‬ألامس‭ ‬أعماله‭ ‬الأدبية‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كنتُ‭ ‬أحد‭ ‬رموزها‭ .. ‬أتسكع‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬عالمه‭ ‬الطرابلسي،‭ ‬واتعايش‭ ‬مع‭ ‬لحظات‭ ‬الوصف‭ ‬التي‭ ‬استحوذتْ‭ ‬عليّ‭ ‬شخصي‭ .. ‬أحببتُ‭ ‬السردَ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أعماله‭ ‬الروائية‭ .. ‬لم‭ ‬أشعر‭ ‬عندما‭ ‬قدمتُ‭ ‬نفسي‭ ‬له‭ ‬كصحفي‭ ‬يهتم‭ ‬بالشأن‭ ‬الأدبي‭ ‬بأنَّني‭ ‬أمام‭ ‬قامة‭ ‬تحتاج‭ ‬لجسور‭ ‬من‭ ‬التواصل‭ ‬معه‭.. ‬صافحني‭ ‬وكأنني‭ ‬صديقه‭ ‬المعتاد‭ .. ‬ابتسمَ‭ ‬لتحيتي‭ ‬ابتسامةً‭ ‬لا‭ ‬يعي‭ ‬ثقلها‭ ‬ومعانيها‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬عايش‭ ‬كتابات‭ ‬هذا‭ ‬المتربع‭ ‬على‭ ‬عرش‭ ‬الرواية‭ ‬الليبية‭.. ‬ولعل‭ ‬الشىء‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعلمه‭ ‬الكثيرون‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬ورغم‭ ‬مهابة‭ ‬النتاج‭ ‬الأدبي‭ ‬للكاتب‭ ‬خليفة‭ ‬حسين‭ ‬مصطفى‭ ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬الساحةَ‭ ‬الأدبية‭ ‬الليبية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬وفية‭ ‬لذلك‭ ‬النتاج،‭ ‬ولم‭ ‬تمنحه‭ ‬تلك‭ ‬المكانة‭ ‬المرموقة‭ ‬التي‭ ‬حظي‭ ‬بها‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬النكرات‭ ‬أصحاب‭ ‬الأعمال‭ ‬الهشة‭ ‬التي‭ ‬تنتهي‭ ‬بمجرد‭ ‬طباعتها‭ ‬ونشرها‭ .. ‬كان‭ ‬يقولُ‭ ‬ليَّ‭ ‬دائمًا‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الابتسامة‭ ‬المختزلة‭ ‬لهمومه‭ ‬وآلامه‭ ..)‬هذي‭ ‬بلاد‭ ‬عجيبة‭ ‬غريبة‭( ‬ويرددها‭ ‬بقهقهة‭ ‬وحسرة‭..‬إننا‭ ‬فعلاً‭ ‬نتعايش‭ ‬بعد‭ ‬تجربة‭ ‬اقتربتْ‭ ‬تدريجيًا‭ ‬من‭ ‬قرن‭ ‬كامل‭ ‬مع‭ ‬ضحكة‭ ‬وآلام‭ ‬رائد‭ ‬من‭ ‬رواد‭ ‬الأدب‭ ‬عاش‭ ‬بيننا‭ ‬ورحل‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬أشد‭ ‬الحزن‭ ‬والخذلان‭ .. ‬أثبتنا‭ ‬بأننا‭ ‬فعلاً‭ ‬أقل‭ ‬مستوى‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬البقعة‭ ‬الجغرافية‭ ‬الممتلئة‭ ‬بالكنوز‭ ‬شعبًا‭ ‬ونخبًا‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬رحم‭ ‬الله‭..‬

هذا‭ ‬الوطن‭ ‬المأسور‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬الفساد‭ ‬وأيادي‭ ‬المفسدين‭ ‬حكامًا‭ ‬ومسؤولين‭ ‬وقادة‭ ‬فارغة‭ ‬عقولهم‭ ‬وممتلئة‭ ‬أحشاؤهم‭ ‬بما‭ ‬لذ‭ ‬وطاب‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬شجر‭ ‬الزقوم‭..‬

لقد‭ ‬غاب‭ ‬الكاتب‭ ‬والأديب‭ ‬الذي‭ ‬قرأ‭ ‬كف‭ ‬ليبيا‭ ‬حاضرًا‭ ‬ومستقبلاً‭ ‬ورسم‭ ‬بخياله‭ ‬المشهد‭ ‬الحقيقي‭ ‬المخفي‭ ‬في‭ ‬قصور‭ ‬الضيافة‭ ‬والأزقة‭ ‬والساحات‭ ‬المشوهة‭ ‬بالواقع‭.‬

رحم‭ ‬الله‭ ‬الكاتب‭ ‬الكبير‭ ‬خليفة‭ ‬حسين‭ ‬مصطفى،‭ ‬وأعان‭ ‬اللهُ‭ ‬الوطنَ‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬المتعاقبة‭ ‬أحقادهم‭ ‬وفسادهم‭ ‬على‭ ‬بقايا‭ ‬الشعب‭ ‬المأسور‭ ‬عنَّوة‭ ‬والمنفي‭ ‬في‭ ‬معتقل‭ ‬الهموم‭ .. ‬ولعل‭ ‬آخرها‭ ‬هي‭ ‬هذه‭ ‬الميزانية‭ ‬الضخمة‭ ‬التي‭ ‬تنتظر‭ ‬تهميشة‭ ‬عقول‭ ‬فارغة‭ .‬

كونو‭ ‬بخير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى