ثقافة

هل للقراءة ضحايا ؟!

عادل بشير الصاري

في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬ينشأ‭ ‬فيه‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬الطاعة‭ ‬والالتزام‭ ‬بالمرجعية‭ ‬العامة‭ ‬فإن‭ ‬أكثر‭ ‬الكتب‭ ‬تأثيرًا‭ ‬فيه‭ ‬هي‭ ‬كتب‭ ‬الدين‭ ‬والسياسة،‭ ‬لذلك‭ ‬تعمد‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدينية‭ ‬والأمنية‭ ‬إلى‭ ‬مصادرة‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬تتعارض‭ ‬أفكاره‭ ‬مع‭ ‬الأنظمة‭ ‬والعقائد‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.‬

لكن‭ ‬ما‭ ‬فائدة‭ ‬مصادرة‭ ‬كتاب،‭ ‬يمكن‭ ‬للقارئ‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬نسخة‭ ‬مصورة‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المواقع؟،‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يصدق‭ ‬القارئ‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬أفكار‭ ‬مخالفة‭ ‬ويعتنقها؟،‭ ‬وهل‭ ‬القارئ‭ ‬المعاصر‭ ‬بهذه‭ ‬السذاجة‭ ‬حتى‭ ‬يتخلى‭ ‬عن‭ ‬قناعاته‭ ‬ومعتقداته‭ ‬القديمة‭ ‬ليتبنى‭ ‬قناعات‭ ‬جديدة؟‭.‬

إن‭ ‬عملية‭ ‬امتصاص‭ ‬الأفكار‭ ‬الجديدة‭ ‬وتبنِّيها‭ ‬بطيئة‭ ‬جدًا‭ ‬بين‭ ‬القراء‭ ‬العرب،‭ ‬لأن‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬العقل‭ ‬الجمعي‭ ‬العربي‭ ‬يعني‭ ‬التعارض‭ ‬مع‭ ‬السائد،‭ ‬وهو‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬الخوف‭ ‬والريبة‭ ‬فيه،‮ ‬‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬ضحايا‭ ‬قراءة‭ ‬الكتب‭ ‬لدينا‭ ‬هم‭ ‬قلة‭ ‬محدودة‭ ‬ومعزولة،‭ ‬وفي‭ ‬الغالب‭ ‬يقع‭ ‬القارئ‭ ‬العربي‭ ‬ضحية‭ ‬لما‭ ‬يقرؤه‭ ‬حين‭ ‬يعاني‭ ‬وضعًا‭ ‬وجوديًا‭ ‬مأزومًا‭ ‬ومهيأ‭ ‬نفسيًا‭ ‬لاعتناق‭ ‬البديل‭ ‬الفكري‭ ‬المخلص،‭ ‬ولكن‭ ‬تظل‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬قليلة‭ ‬ومحدودة‭ ‬الأثر،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬خطرًا‭ ‬على‭ ‬النظام،‭ ‬أو‭ ‬المرجعية‭ ‬العامة‭.‬

هل‭ ‬يمكن‭ ‬لكتاب‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬حرية‭ ‬الفكر‭ ‬أن‭ ‬يقنع‭ ‬شعبًا‭ ‬لديه‭ ‬قابلية‭ ‬للاستعباد‭ ‬بفوائد‭ ‬الحرية‭ ‬الفكرية؟‭.‬

هل‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لكتاب‭ ‬عن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الحر‭ ‬تأثير‭ ‬على‭ ‬النظام‮ ‬‭ ‬الشيوعي‭ ‬في‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬مثلاً؟‭.‬

هناك‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬السنة‭ ‬الذين‭ ‬قرؤوا‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬الكافي‮»‬‭ ‬للكليني‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬عند‭ ‬الشيعة‭ ‬الإمامية‭ ‬بمثابة‭ ‬صحيح‭ ‬البخاري،‭ ‬ولم‭ ‬يتشيعوا‭.‬

كتاب‭ ‬إسماعيل‭ ‬أدهم‭ ‬‮«‬لماذا‭ ‬أنا‭ ‬ملحد‮»‬‭ ‬صدر‭ ‬منذ‭ ‬العقد‭ ‬الثالث‭ ‬الماضي،‭ ‬وكتاب‭ ‬‮«‬الحقيقة‭ ‬المحمدية‮»‬‭ ‬لمعروف‭ ‬الرصافي‭ ‬صدر‭ ‬منذ‭ ‬نحو‭ ‬عقدين،‭ ‬فكم‭ ‬مؤمن‭ ‬اقتنع‭ ‬بأفكار‭ ‬الكتابين‭ ‬وتخلى‭ ‬عن‭ ‬إيمانه؟‭.‬

وكم‭ ‬مسلم‭ ‬وسطي‭ ‬ومعتدل‭ ‬اعتنق‭ ‬أفكار‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬معالم‭ ‬في‭ ‬الطريق‮»‬‭ ‬لسيد‭ ‬قطب،‭ ‬أو‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬جند‭ ‬الله‮»‬‭ ‬لسعيد‭ ‬حوى؟‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى