رأي

أسئلة كورونا .. كورونا بين الجائحة والحاجة!

للكاتب: خالد الهنشيري
القرارات الحكومية غالباً هي أهم المتحكمات في حالة المزاج العام للمجتمع ، ماتتناقله وسائل الإعلام من قصص إخبارية عن رعب الفيروس التاجي الذي أطاح بكل تيجان دول العالم، كارثة موازية لاتختلف عن فتك الوباء نفسه، بعد ازدياد وتيرة الأخبار الزائفة fake News عبر منصات التواصل الاجتماعي، وجد المواطن نفسه أمام قرار حكومي دون سابق إنذار ليزداد الأمر تعقيداً، هذا لايعني الاعتراض على فرض الحجر كخيار وحيد لتفادي الكارثة، بقدر ماهو وجوب معالجة الأمر بروية تخفف من حالة الفزع المجتمعي. هناك رسائل ايجابية نستخلصها من هذا الدرس العالمي لإعادة ترميم الواقع المحلي وتصورات المستقبل، بعد انتهاء تداعيات قرار (الفزعة المزدوجة) من “الحكومة والشعب”.. يوم الخميس الماضي 16 ابريل المتتم لأخر أيام الحظر الجزئي، قبل أن نشرع صبيحة يوم الجمعة في حظر كلي، حتى نقابات المؤسسات والشركات الخدمية في أي قطاع طالما قررت الدخول في اعتصام لتحقيق مطالب مشروعة لصالح عمالها يتوجب عليها أن تُخطر الجهات المعنية بإيصال صوتها للجمهور الذي هو -المواطن – بما سيحدث لاحقا كإجراء احترازي.. ولنأخذ كمثال اعتصامات عمال المناولة في شركات الطيران العالمي كنموذج للقياس الخ..، ولك أن تتصور في ليبيا مستوى الخدمات وحجمها. وإن سُمح لك وفق القرار الحكومي بالحركة مترجلا ولفترة محدودة، كيف سيكون وضع السكان خارج مخططات الدولة السكنية وأغلبهم في أماكن شبه معزولة عن كل مرافق الخدمات الأساسية، أغلبها شُيدت في أماكن وبطرق قضت على الغطاء النباتي وحولت طوق العاصمة إلى غابات اسمنتية جمعت كل ماصنعه الإنسان من قبح في هذا العالم، مجرد التفكير أو الحديث عن إمدادات الغاز في مخططات ومقسمات الأحياء السكنية في دول العالم الآخر يضعنا في مأزق آخر.. واقع ذوي الاحتياجات الخاصة والأمراض المزمنة والنازحين والمرتبات وقصص أخرى، أما امدادات المياه التي أصبحت مطية لكل من تقع البئر في مضاربه، وإن تلقينا وعوداً سابقة من المجلس البلدي للعاصمة عام 2012 بإنشاء خزانات احتياطية لتجميع المياه داخل العاصمة تحسباً لأي طارئ، كان ذلك قبل أن يولد مشروع ميترو الانفاق الأخير برعاية وزارة الاقتصاد. الإنترنت وخدمات الإسعاف والطوارئ والنظافة العامة، آمر أخر ضمن سلسلة الغيبيات والميزانيات الزئبقية التي نسمع بها لكن لاتُرى بالعين المجردة. كل المفكرين وكُتّاب مقالات الرأي يطرحون تصورات ورؤى اقتصادية ثم سياسية لعالم مابعد كورونا، لن نعيد تدوير الأفكار وبسترة المقالات وسنهتم بواقعنا الليبي فقط، ولن نتحدث عن آفاق الذكاء الاصطناعي والخرائط الجينية لعلاجات المستقبل.. الخ ولنفترض حسن النية من صناع القرار، وهو الأكيد على الصعيدين الإنساني والأخلاقي وإن تكفلت الحكومة بكل ماذكر وشكلت فرقا من المتطوعين لتلبية الخدمات الأساسية للمواطنين، كيف سيكون دور الحكومة وسط هذا الكم؟ إذ لايوجد أحياء وأزقة تحمل أرقاما وسط ليبيا كلها! من يُنصف هذا الشعب؟ استحضار سريع ونظرة عامة لسرديات وقائع كورونا عبر كل وسائل الإعلام المحلية التي تستقي وتتغذى من ذات المصادر غالباً، وكأنها محيط مفتوح تصب فيه كل ينابيع المياه التائهة عبر الأزمنة، هذا التضارب خلّف شقاقا من نوع آخر بين صفوف الشعب، بعد أن كانت الخلافات تتركز في نطاق أضيق بين الساسة، النخب، ليشمل الخلاف العوام أيضاً، وهنا لا أقصد بلفظ العوام التصنيف على أساس العقيدة كما هو رائج بين شريحة أخرى من شرائح مجتمعنا، بقدر ماهي لفظ السواد الأعظم من عامة الشعب. ماحدث مؤخراً ذكرني بخطاب نُخب زمن ليس منا ببعيد، هناك من كان يقول هجرة العقول، وعزوف الشباب عن الزواج! الخ..، المواطن يحمل الأوزار دائماً والدولة هي الخصم وهي الحكم!. سأكتفي بحصر هاتين المسألتين، واستغرب كيف زُرعت هذه المفاهيم لتكون مواد إعلامية لخطاب دسم تعاطيناه سنين طويلة، وهو من إنتاج النُخب أيضاً!، الطريف أن قادة الرأي هم الشريحة الأوسع تأثيراً في كل المجتمعات على مرّ التاريخ، قد ندرك مؤخراً أننا تجاهلنا دور الإعلام الإصلاحي ولازلنا!. استعراض بعض الأحداث التي تزامنت مع هذا الطارئ الذي شهدناه سوية مع دول العالم بإيجاز، ربما هي المرة الأولى التي يجتاحنا هذا الشعور لنتعاطي مع حدث كوني، وندرك جميعاً أنت كفرد قبل أن تكون أسرة ومجتمع، عليك التزامات للحفاظ على دوران عجلة الحياة لأنك أحد تروس تدويرها لتستمر. ماذا حدث؟ القرار الفجائي للحظر الكلي رغم ماأحدثه من حالة هلع تناقلتها وسائل الإعلام بشكل غير معهود، أغلب الاتهامات بالتهاون واللامبالاة كانت تُحمل للمواطن بعضها بأسلوب تهكمي والآخر بأسلوب تجاوز حدود العقل والواقع وظروفه المحيطة. مرّ ذلك اليوم والكل يترقب قائمة الإصابات الجديدة التي اعتدنا عليها مساءً، لتظهر لنا حالة آخرى من حالات التخبط الحكومي، تنديد وزارة الداخلية بالقرار الفجائي يبدو أنه جاء استجابة لمجهول، في حين هناك من أكد أن القرار في طريقه أن يلغى وسيعدل بأخر ليكون الحظر من الساعة السابعة صباحا إلى الخامسة مساء، لم يقف الأمر هنا ولن يقف، حالة أول المصابين والتصريحات المتضاربة الخ ..
الخطاب الديني والتفاسير والتأويلات، لا يخفى على أحد الثأثير النفسي لكل هذا خاصة بعد اكتشاف حالات أخرى ومشاهد الهلاك الجماعي في دول عظمي خاصة ايطاليا التي تقابلنا في الجهة الأخرى، في المقابل اعتبر حالة الوعي جيدة قياساً بتشظي الخطاب الإعلامي وغياب الدور الفعال للإعلام الحكومي تحديداً بكل أنواعه، فتضارب المعلومات وحالة الرؤية الضبابية لعرض مايحدث في ليبيا بشكل غير مسؤل، ربما هو الوصف الأقرب لتجسيد ما يُعرف “بالحداثة السائلة”، التي تتعطل فيها كل الممارسات الحياتية القديمة والمتوارثة والمكتسبة في التعامل مع الوضع الإنساني الراهن، حيث لم تشهد ميلاد أساليب فعالة للتعامل مع أنماط الحياة الجديدة وتحديثها بوضع يتماشي مع الظروف التي أحدثتها، وهو ما أربك منظومة الجهود بمختلف أنواعها، هل نكافح الوباء أم كيفية تناقل قصص كورونا المرعبة؟!، التي لاتختلف في سرعة شيوعها عن سرعة انتشاره وكأنه وليد الجيل الرقمي واتخذ من وسطوة الإنترنت أيسر مجل لغزو هذا العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى