إن خلص الفول.. أنا مش مسؤول..!! بقلم الناجي الحربي
عندما تشد الرحال إلى أرض الكنانة ينتابك خدر لذيذ .. بأنك لستَ غريباً .. .. ولكي تتحقق من هذا الإحساس .. هذه دعوة لاستثمار كل لحظة ما دام تقيم في مصر لغرض السياحة ..
أدعوك لأن تعيش مع «حرافيش» محفوظ .. أن تلامس الأيدي المتشققة للعمال والفلاحين والبنائين وأبناء الطبقة الكادحة .. فهم بمجرد أن تخالطهم يشاركونك بهجتك حتى وإن كانوا في أسوأ مراتب الفقر .. ويقتسمون رغيف خبزهم معك حتى وإن لم يمتلكوا غيره ..
لا بأس من أن تعيش حياتهم .. وتغوص في أعماق وتفاصيل يومياتهم .. أن تأكل مما يأكلون .. أن تركب باصاتهم وأتوبيساتهم وقطاراتهم .. أن تتزاحم معهم .. أن تقف في منتصف الحافلة أو القاطرة وتشد بيدك قضيب الحديد الممتد من المقدمة إلى المؤخرة .. أن تسمع أغانيهم المليئة بالفرح والسرور .. حتى وإن كانت غير مفهومة .. أن تشنف أُذنك لنكاتهم الصباحية .. وأحاديثهم الطريفة .. فهي وكالة سريعة التداول والانتشار لما حدث ليلة البارحة لا على مستوى بلدهم بل على مستوى العالم ..
لا ضرر من أن تتناول معهم أكواب الشاي المنعش .. أن تأكل فولهم وبصلهم ومخللهم .. فأنا عندما أكون في مصر لا اتناول الفول بشهية إلاّ من عربة «أبي محمد» الذي كتب على جنباتها (إن خلص الفول .. أنا مش مسؤول) ثم أتوجه إلى عصاصري الفرح كي أتذوق عصير قصب السكر الطبيعي .. وبعد ذلك لا مفر من كوب شاي على قهوة الفيومي.
لا بأس من أن تستقل باصات «الجي إم سي» العتيقة أو «الفورد» العريقة أو الدودج والمصنوعة من الحديد الخالص والذي تعود صناعة أغلبها إلى منتصف القرن العشرين .. ما أن تركبها حتى تبهرك المرايا المقعرة والمحدبة المتراصفة على زجاجها .. والملصقات التي تحوي آيات الذكر الحكيم وأدعية السفر والاستغفار والنصائح والإرشادات الدينية المختلفة المشارب.
الحاصل السيارة من الداخل كما لو أنها لوحة إعلانات .. أو لوحة جرائد حائطية مدرسية .. ما أن تجلس على مقاعدها حتى تشعر بأنك والركاب تعرفون بعضكم بعضاً ومنذ سنوات مختلف شرائح المجتمع المصري يركبونها .. الدكتور والمهندس والطبيب والمعلم والعسكري .. الكبار والصغار .. الذكور والإناث ..
ليس عيباً أن تخالط الفلاحين وهم يحرثون الأرض أو يقومون بتعبئة أكياس الخضراوات وصناديق والفاكهة .. أو يشقون الترع لتحول مسار مياه النيل بهندسة مذهلة .. أو تسرق النظر نحو الفلاحات وهن يغتسلن في الترع ويلعبن مع بعضهن ببراءة .. أو تشاهد الأطفال وهم يتحملون مسؤولية الكبار برضى تام .
عندهم يختلط الليل بالنهار .. ففي الليل تنهض جماعات أخرى لن تراها بالنهار .. لتعمل بالمعامل والمقاهي ومحطات القطارات والمستشفيات وغيرها .. فيما تفتح المقاهي الشعبية أبوابها منذ الصباح الباكر لاستقبال زبائنها .. فمنهم من لم تروق له قراءة الجريدة إلاّ على القهوة .. فهي تشبه الملتقيات الثقافية .. للعب الضامة والطاولة ذات النرد والدومينو .. وللقراءة ولتبادل وجهات النظر السياسية والاجتماعية .. ولتناول أكواب الشاي وفناجين القهوة العربية .. ولمشاهدة مباريات كرة القدم أحياناً ..
لما لا .. من ارتياد هذه المقاهي لشرب الشاي .. وإن كنت مدخنا فلا تتردد في طلب شيشة بالمعسل الفاخر وعلى جمرات الفحم البلدي .. فلا أحد مات قبل أن يكتمل عمره .
السياحة في مصر لها طعمها الخاص والمختـلف .. لها نكــهة و روح نادرة قلما نجدها في دول العالم التي احترفت مجـال السياحة .. السياحة ليست شقة مفروشة وما يتبعها .. السياحة ثقافة .. تعلم .. تجـــديد أفـــكار ..!!