ارجع البصر، ترى الأثر
أمين مازن
غير أن مكالمة العزيز محمد نصر ما لبثت أن حملت نقلة أخرى حين أجاب بأنه يبتغي التعزية في الحاجة فاطمة مرسوكة ابنة عم وزوج أشهر المرتبطين بالحقل الرياضي، ابن العمة عثمان الذي الذي اقترن بالراحلة وقدم بها إلى المدينة والإقامة في أكثر من حي بدايةً من ميزران و مروراً بفشلوم والهاني وأخيراً قرجي حيث بنائه أول عقار و تركه في الثمانينيات للأولاد عندما فضّل العودة إلى مسقط الرأس عقب إقامة حافلة وذكريات جمّة كان نصر في مقدمة شهودها ولا سيما عندما وفّر لنا عثمان إمكانية توظيف مكتب الهيئة الرياضية العليا والآلة الكاتبة لإرضاء هواياتنا السياسية وكتابة وطباعة بعض المشورات المعترضة على بعض ممارسات السلطة وكادت بعض الأجهزة أن تقترح المقارنة بآلات طباعة المجلس التشريعي حيث كان عملي، وربما فعلت ذلك و لم نعلم، في حين كان المكان آخر ما يمكن أن يخطر على البال لما اتصف به عثمان من حفظ السر و تقدير المسؤولية إذ كنا نجمع بين التجول في المدينة مساءً و الخلود في بعض الساعات إلى الراحة لدى عثمان و ليس لعثمان سوى كمال، و أحياناً يقدم من البلاد الفقيه امحمد حيث المزاح سيد الموقف و الضحك خير معين على نكبات الدهر، كانت الهيئة الرياضية العليا تتوسط شارع ميزران و في عمارة متعددة الشقق أبرزها مكاتب الهيئة و مصلحة المطبوعات و التي من ضمن مشمولاتها مكتب إذاعة طرابلس المحلية حيث تسجيل الأسماء في ما يطلبه المستمعون، أما ما كان يتسبب في كثرة المُريدين فقد كان متمثلاً في عيادة الدكتور الإيطالي سيموني الذي عالج عنده أكثر من قريب واجه مشكلة عدم الإنجاب و أثمر علاجه بفضل تواصل عثمان و الممرض الصيد، و قد تضاعفت عواطف نصر في السنوات الأخيرة و ما انفك يتصل و يسأل و يعرب عن شوقه و كنت من جانبي لا أستغرب و إن لم أجد الوقت الكافي للتواصل كما أجد الوقت للتدوين، لا سيما و أنا أتخذ من هذا الفضاء فرصة لإعادة التوثيق لما للإدراج من التحفيز على التحرير و مقاومة غول الفناء لما لدى الإثنين من الذكريات عن تلك الفترة حيث الصراعات الحادة بين العاملين في الحقل الرياضي جرّاء التنافس بين الإتحاد و الأهلي على بطولة الدوري الليبي وما يشوب عديد المباريات من تهمة التحيز للإتحاد فيما يبرر مسؤولو الرياضة مواقفهم بأن الاتحاد هو الفريق القادر على تحقيق النصر على أي منافس أجنبي يأتي من خارج البلاد، هي مرحلة دفعت كلينا إلى التجاوب مع المتاح من التيارات السياسية من قومية دفعت صديقنا نصر إلى أول محاولة تنظيمية أقدم عليها حزب البعث الإشتراكي ودعت إلى اعتقالهم، و قد كان من بين الذين سجنوا و صدرت بحقهم أحكام لم يُفرج عنهم سوى عقب قضائها، في حين حملني الإنخراط في العمل الثقافي الإجتماعي عبر الإنتساب لنادي الشباب الليبي نحو الإتجاه اليساري عبر أدبيات الفكر الإشتراكي الماركسي و تجلياته المتمثلة في النقد الأدبي و التحليل السياسي، إذ كنت مشغولاً بتطوير أدواتي المعرفية و إثبات وجودي عن طريق النص الأدبي شعراً ونثراً خاصةً وأن الصحف قد بدأت أكثر اتساعاً للأقلام الناشئة بفضل الحراك الذي أحدثه الصراع بين الأجيال المتكونة محلياً و الأخرى التي تفتّحت عل البيئات العربية بفضل الدراسة في جامعات الشرق فضلاً عن الجامعة الليبية التي بدأت بكلية الآداب وشرعت في تصدير خريجيها قبل حلول التاسع والخمسين وانشقاق الصف العربي التقدمي بين محوري بغداد و القاهرة و التي لم يبق لها الأثر السلبي لمجرد إقدام النظام الرسمي على الدفع بتشكيلات حزب البعث إلى المحاكمة و ما أدى إليه ذلك التصرّف من اصطفاف القوى الوطنية حول بعضها البعض تأسيساً على حقيقة بدهية مفادها أن فتح أبواب السجون للمعارضين لا بد أن تتلوها الخطوات المتعاقبة، إنها التجربة التي وثقت عرى التعاون بين عديد القوى الوطنية إن لم تبلغ حدودها الكبرى في النشاط السياسي، فيكفي أنها لم تنجر إلى ما سعت إليه السلطة من محاولات من محاولات التفريق و الوقيعة بحيث لم تغرب شمس النظام التقليدي و يحل الحكم الشمولي إلا و الصفوف قد بلغت أقصى درجات تراصها إن لم يكن بالظهور المباشر فبالمتابعة الصامتة شأن العزيز محمد نصر و هواتفه التي لا تعرف التوقف كلما حل ما يفرض التواصل إلى أن عصفت بالجميع رياح العمر و إن لم تؤثر في الود ولا عميق الاهتمام بكل ما هو مشترك أقوالاً و أفعالاً و علاقات و إصراراً على التعبير عن ذلك بالصدق كله مما لا أشك في أنه قد تداعى بقوة عند حلول هذا المصاب و في هذا الظرف الكريه، حيث يحضر عل المرء أن يشارك مواجع من يحب من الناس.. رحم الله الحاجة فاطمة وأمد في أعمار العزيزين نصر و عثمان.