تبدو ليبيا براحا واسعا، بلدا مترامية الأطراف، أشبه ما تكون بقارة، فالانتقال من مدينة إلى مدينة يستغرق ساعات بالطائرة، أما بالسيارة فيأخذ أياما.
الاتساع الجغرافي هذا إذا لم يكن لصالح البلاد، فسيكون بالقطع عبءا ثقيلا عليها، سواء كان اقتصاديا، أو أمنيا، أوى تنمويا.
لهذا فإن وجود إدارة محلية ذات فاعلية، وذات كفاءة، مسألة أكثر من مهمة، وأكثر من حيوية، ليس فقط من أجل تحقيق تنمية مكانية، وليس فقط من أجل انتاج بيئة غير طاردة، ولكن أيضا لحماية الأمن القومي، والمحافظ على وحدة الوطن، واستقلاله المهدد بالتآكل.
ولكن عندما تركن سيارتك على الشارع، فقد تكون مقدمتها في بلدية، ومؤخرتها في بلدية أخرى، لقد زاد عدد البلديات، وتداخلت الحدود، وبات من غير المستبعد أن يكون البيت الواحد يتبع لبلديتين.
بلدية من اربعة دكاكين وخمس مطبات
المواطن هو من يدفع الفاتورة
ويقول أحد المعلقين متهكما: بلدية من ثلاثة دكاكين، وصيدلية، ومحل حلاقة، وبلدية لم يسكنها أحد منذ الانفجار العظيم قبل أكثر من مليون سنة.
ويسأل آخر عن جدوى أنتشار البلديات، فهل يمكن أن يؤدي التوسع في عدد البلديات إلى تحسن في الأداء، وجودة الخدمة؟
أكثر من مئة بلدية لا نتصور أن هذا يمكن أن يؤسس لمنظومة إدارة محلية ذات نجاعة، أم حالة أخرى من حالات الفوضى.
المحصلة هي: تدني مستوى الأداء العام، وهدر للإمكانيات ونزيف للوقت، إلا (ما رحم ربي).
القصة لا تقف عند التوسع في اعتماد البلديات، بل من يدير المجالس البلدية، فعميد بلدية وصل المجلس البلدي بأقل من مئة صوت، وبأقل خبرة، وأقل كفاءة، ويجد ملايين تحت تصرفه، ماذا ستكون النتيجة؟
سيتكرر نفس المشهد بكائيات على عدم توفر الامكانيات، وتعليق الفشل في وزارة الحكم المحلي، أو الحكومة المركزية، والمواطن هو من يدفع ثمن هذا الخيار، حتى وأن كان صاحب الاختيار.
البلدية ليست فقط شركة خدمات وعمال بنغلاديش
البلديات ليست مجرد شركة نظافة، وكيف يحصل العمال البنغلاديش على مرتباتهم مع أزمة السيولة؟ وكيف يمكن إيجاد مكبات عمومية؟
كما أن البلدية ليست مجموعة من مختاري المحلات، ولجان لفض المنازعات، وباقي مفردات ما قبل العصر الرقمي.
البلدية هي وحدة إدارية ضمن منظومة إدارة محلية قادرة أن تكون بديل أفضل عن سلطة مركزية مقيتة.
فبعد منظومة الرقم الوطني وتوسع استعمالاتها ،وبعد جواز السفر الرقمي ،وفائض الكلام عن الحوكمة ،والشباك الموحد ،والخدمات الذكية ،نعود إلى (يشهد مختار محلة سين بأن صاد رجل طيب)!
الإدارة المحلية هي منظومة متكاملة، قد تبدأ بالمحلة كأقل وحدة إدارية، ولكن لابد أنت تكتمل بالمحافظات
بدون وجود محافظات لن تكون هناك إدارة محلية، قادرة على تحسين الشأن العام المحلي، وتحقيق تنمية مكانية، وإعادة الاستقرار الأمني، وسنظل في حالة بين مركزية مقيتة، ولا مركزية عبثية.
بالتأكيد نحتاج لمجالس للمحافظات منتخبة تتولى مراقبة أداء الإدارة، ولكن لا يمكن أن تكون هذه الإدارة غنيمة انتخابات.
ولعلنا نحتاج إلى جهد في المصالحة بين الكثير من المناطق المجاورة لإعادة هيكلة الإدارة المحلية التي تأخرت، كما تأخرت حتى انتخابات البلدية.
المشكلة ليست انتخاب البلديات وفقط
بالتأكيد المشكلة ليست في انتخابات البلديات فقط، حيث يطرأ سؤال مهم عن كيفية اجراء هذه الانتخابات وخاصة بعد أن اثبتت الاآلية السابقة عقمها في انتاج مخرجات على كفاءة عالية.
الانتخابات بنظام القائمة رغم الكثير من التخوفات التي ساقها البعض، إلا انها في الحقيقة يمكن ان تنهي الكثير من العصبيات القبلية، كما انها تتيح لمجلس البلدية ان يعمل بآلية الفريق الواحد.
واخيرا
امامنا أكثر من نصف المجالس البلدية انتهت مدة ولايتهم ومازالوا يديرون البلديات كلجان تسيير أو تصريف أعمال، وهذا بالتأكيد لا يخدم بلد يريد أن يعزز ثقافة التداول السلمي على السلطة، فاحترام المدد هي جزء مهم من قيم الديمقراطية.
ونظل دائما نسأل: ألا يستحق الليبيين ما هو أفضل؟