الشيخ منصور بن محمد الحسناوي.. لأمين مازن
و هكذا لم تكد الجمعية المذكورة تفرغ من أداء مهمتها التأسيسية و تستلم الحكومة المؤقتة مهامها بإجراء الإنتخابات النيابية حتى يكون الشيخ منصور بين أعضاء مجلس النواب الجديد ابتداءً من دور انعقاده الأول و من ثم يعبر مكانه نحو مجلس الشيوخ الذي شُكِّلَ من الولايات الثلاث و يكون هو ضمن الثلث المخصص لإقليم فزان، مرة بحكم الإنتخاب من المجلس التشريعي و أخرى ضمن تعيين من الملك و ترشيح الولاية، و هكذا احتفظ الشيخ منصور بالبقاء في المشهد حريصاً في الوقت ذاته على الحضور الدائم كواحد من شيوخ العهد الملكي حيث يكون أهله الحساونة بامتداداتهم الداخلية و الخارجية رقماً لا بأس به في المعادلة في جنوب البلاد تحديدا، و كان هذا الرجل في مقدمة الذين رسّخوا هذه الخصيصة بما دأب عليه من توفير عديد الخدمات لأبناء الجنوب من دون استثناء كما يجمع بالشهادة أكثر من منصف لما عُرِفَ عليه من قدرة الإنجاز و حسن الرد و صون كرامة قاصديه، فلم يُعرَف عنه التسويف أو خلف الوعد و ترك المحتاجين فُرادى أو جماعات ينتظرونه من دون احترام، و لكنهم دائما في منزلة الضيوف في حال اضطراره للتخلف عن الحضور لسبب من الأسباب. نعم إن حرص الرجل على خدمة قومه يبدو من خلال اللجان الفرعية لمجلس النواب أولاً و الشيوخ ثانيا، فنراه يبدأ من الأشغال و المواصلات و ما إلى ذلك من النوع الذي يتيح له تحقيق مصالح مواطنيه المتمثلة في فُرَص العمل و ضمان المداخيل الثابتة عندما كان المرتب صعب المنال إذ البطالة ضاربة أطنابها و لا سيما بالجنوب البائس و الذي طالما اضطُرَّ ساكنوه للنزوح تجاه الشمال و الشرق بحثاً عن العمل و في أرذل أنواعه كي يطعموا البطون الجائعة و الأفواه الفاغرة التي طالما تركوها مضطرين و لم يلتقوها إلا بعد الشهور و السنين، فكان الرجل لا يُرى إلا و هو مرفوق بأولئك الذين تبدو عليهم علامات الحاجة من مختلف الأعمار و هو يخرج بهم من هذا المسئول أو ذاك في سرورٍ ظاهرٍ لتمكنه من إنجاز ما جاء من أجله، و لا شك أنه لهذا السبب لا يبدو كثير الكلام الذي تظهر منه علامات التذمّر التي طالما ظهرت على غيره من الذين لا يسأمون إظهار سخطهم و لكن من أجل نهمهم الشخصي و مطالبهم التي لا تعرف التوقف، و من هنا رأيناه يبادر بالإصطفاف مع القوى التي أصرت على مرور الطريق الإتحادي من وسط البلاد كي يربط الولايات الثلاث، و ليس كما حاول بعض قصيري النظر الذين تبنّوا ربط غرب البلاد بجنوبها في غيبة الشرق متحججين بالتكلفة و مبدأ الإختصاصات، لقد خَبَرَ الرجل الذي عركته التجربة و علمته الخبرة مقاصد الكثير من نظرائه الذين يقولون ما لا يفعلون و كان يرد عليهم صراحة مرة و بالرموز أحياناً أخرى، و قد يكتفي بالحكي السريع الذي يتقن الإستشهاد به و يضمن الإنصات إليه طوال ذلك المشوار الطويل الذي عاشه و بدأه كما أشرنا في هذه المقاربة حتى أفلَّ نجم العهد الملكي و الذي شهد في ستينياته رئاسة السيد محمد عثمان الصيد للوزارة الليبية و التي حققت ضمن ما حققت تقوية الجبهة المناوئة لسلطات ولاية فزان، و قد كان من بينها الشيخ منصور هذا الذي أفلح في تنسيق المواقف مع بن عثمان مما أوجد لذلك الجيل و أبنائه من بعده من المواقع ما ساعد على تقوية الحضور جرّاء التطور الإقتصادي الذي أحدثه النفط و ما أدى إليه من إلغاء الولايات مع القوة المشاركة في الشأن الوطني ككل، يحضرني على الصعيد الشخصي ما رويته من رده على سأله من حكمة تعيين الملك لبن عثمان رئيساً للحكومة.