
حصري فبراير
الكل اليوم بات يعى جيدا دور الصحافة في المجتمع وعلاقتها بالكشف عن الحقائق ودعم النقاش العام أو فتح المجال أمامه، بل أصبح اليوم لها النصيب الكبير فى المساهمة و بشكل أكبر في طرح حلول لمشاكل المجتمع. هذا الاتجاه الذي تأخذه الصحافة في العالم عزازته أيضا الملفات المطروحة دوليا، فقضايا ما بعد كورونا والتباطؤ الاقتصادي والتغيرات المناخية وحتى الأزمات السياسية المشتعلة باتت تحتاج إلى زاوية طرح جديدة. وإذا كان دور الصحافة في المجتمع هو كشف الحقيقة ودعم النقاش العام أو فتح المجال أمامه، فإن من أدوارها اليوم المساهمة بشكل أكبر في طرح حلول لمشاكل المجتمع.
وهو ماجعل العديد يسميها بصحافة الحلول لانه حل للمشكلات المشتركة وتشرحها بطريقة نقدية وواضحة.وتستخدم صحافة الحلول في العديد من المجالات المختلفة، مثل الصحة، والبيئة، والتنمية المجتمعية، والحقوق الإنسانية، والثقافة، والشؤون الاقتصادية، والعلاقات الدولية، والشؤون العملية، والتعليم، والشؤون الجغرافية، والشؤون الثقافية، والشؤون السياسية والشؤون الأخرى. ويتم ذلك بهدف إشعار الجمهور بالحلول الجديدة التي يمكن أن تنفذ داخل المجتمعات ومن خلال الموارد المتاحة لكل مجتمع.
فالصحافة هي مرآة الحقيقة ما بين الرأي العام وكبار المسؤولين فالحرية تقف دائما بصف الشعوب، والصحيفة المقروءة لابد وان تمتاز بالشفافية والمصداقية وهذا ما يتمناه القارئ ، فاصبحت وسائل الاعلام في ظل الانفتاح والالتزام بمعايير الشفافية في المجتمعات المتقدمة سلطة أولى نظرا لما تشكله من أهمية في تطور تلك المجتمعات وازدهارها، ولكونها تشخص الواقع وتبين اوجه الاختلال فيه وتساهم في معالجته.
ولكن يبقى السؤال الأهم هل يتفهم المسؤول هذا الرأي؟
كلمة حق اذا قلنا إنه كلما تعمقنا في تجربة الصحافة يتأكد له ان التحولات القوية التي شهدتها صحافتنا كانت نتيجة دعم شفافيتها وقلة مساهمة المسوؤل مع الصحفي نتيجة عدم الثقة و بالمكاشفة والمصارحة، الى جانب قناعة بعض المسؤولين ممن يعتقدون ان الهروب من الصحفي واخفاء المعلومات وطمسها هي السبب الحقيقي في بقائهم على كراسيهم العاجية.
ان الصحافة في شكلها النهائي هي حوار يومي ما بين المسؤول والرأي العام، ينقله المحرر أو الصحفي بكل شفافية وان الاشتغال على قصص وهمية هي من طبيعة الكتاب والمؤلفين والمبدعين، اما الصحفي فهو ذلك الانسان الذي يبحث عن الحقيقة كاملة وان كان يحصل على نصفها دائما في ظل طمس الحقائق من بعض المسؤولين ان هذا التهرب أو رفض التعاون لن يؤدي في النهاية الى موت الصحافة، فالصحافة لديها طرقها وقدرتها على الحصول على المعلومة والتعاون معها يرسخ بقاءها حية نابضة كما ينبغي لها ان تكون.
وفي نفس الوقت هناك بعض المسؤولين الذين يمكن ان نطلق عليهم خفافيش الظلام يختبئون ويرفضون ان يمسهم قلم الصحفي بأي نقد كان، وقد يضطرون لاسكاته بعدة طرق لدرجة انهم لا يمانعون من قصف قلمه وكأنهم في معركة مع الصحافة والصحفيين.
والسؤال المُلح هنا هو لماذا بدأ الارتباك يسود بعض المسؤولين في التعاون مع الصحفيين، مع ان الكثير يرى بأن ارتباكهم وصمتهم يعود لعدم انصاف الصحافة لهم ومطالبين اياها بنشر صورهم واخبارهم الايجابية اذا ما أرادوا تقديم خدمة خبرية للصحافة ، متناسين بذلك ان الصحافة هي اداة مهمة للاطلاع على اوضاع المؤسسات والمواطنين والمقيمين ،ان الارتباك الذي يشعر به المسؤول لحظة دخول الصحفي مؤسسته أو مكتبه او حتى الاتصال به يبدو واضحا للعيان من خلال رفض اي موظف الحديث عن المؤسسة إلا بموافقة المسؤول، وتعليل ذلك يندرج تحت بند القواعد والقوانين لهذه المؤسسة ،ولكن من يمكنه ان يفسر لنا ارتباك السكرتير أو السكرتيرة لحظة طلب مقابلة المسؤول نفسه، ان علامات الاحراج على وجههما تبدو واضحة وكأنهما يريدان القول:«ان المسؤول فوضنا لاتخاذ اي تدابير لمنع دخول الصحفي أو اعطائه أية معلومات» وهو مايستوجب ضرورة وجود الشفافية والوضوح في المعلومات بين المسؤولين والصحافة و حق الصحفي في الحصول على المعلومات التي تهم القراء والجمهور ما لم تمس المصلحة العامة وتلحق الضرر بها.
ان للصحافة دورا كبيرا في نشر الحقيقة ومن حق مواطن فى الدولة ان يعرف كل ما يدور في المؤسسات من خلال الصحافة رغم تهرب بعض المسؤولين من الالتقاء بالصحفيين والاجابة على اسئلتهم في حين ان بعضهم اذا أراد أن تنشرله صورة أو تصريح ايجابي عن مؤسسته فانه يسعى الى الصحافة بكل جوانحه ، وهو ماجعل الكثير اليوم يُلح بسياسة الابواب المفتوحة لمؤسساتنا الحكومية التي يجب ألا تكون ان مغلقة سواء في وجه الصحافة أو الناس وضرورة دعم الصحفي وتسهيل مهمته في المؤسسات الحكومية .
ان موضوع المكاشفة والمصارحة بين اجهزة الاعلام والمسؤولين أصبحت اليوم ضرورة قصوى وهي الثقافة مازالت غير سائدة كما ان هناك بعض المسؤولين الذين يشعرون بالتراخي والكسل ويرفضون التجاوب والتعاون مع أجهزة الاعلام وفي المقابل هناك من يتجاوب من أجل الظهور والتفاخر فقط وهو ما دعا الى ضرورة دعم الصحفي وتمكينه من انجاز عمله من أجل خلق بيئة صحفية حرة وشفافة، ورغم تصدر وسائل الاعلام المرئية منها والمسموعة والمقروءة فانها لا تقوم بدورها المطلوب ولعل من اسباب ذلك احجام المسؤولين القياديين في مؤسسات الدولة ووزراتها عن التعامل مع وسائل الاعلام تلك، الأمر الذي يعكس خللا حقيقيا في العلاقة بين مؤسسات الدولة والاعلام ويساهم في تفاقم المشاكل واختلال التوازنات، ولكن لماذا يحجم بعض المسؤولين عن التعاطي مع وسائل الاعلام على النحو الذي يساهم في الارتقاء بالانسان والمجتمع اعتقد ان هناك أسباباً وراء ذلك منها شخصية ووتتمثل في ان بعض المسؤولين يخشون التعامل مع وسائل الاعلام لأنها تكشف وجود نقص حقيقي في المستوى العلمي أو الحضور العملي أو الدراية لدى بعض هؤلاء المسؤولين لحركة المجتمع وربما بين سلبية التعاطي هذا وجهل بعض المسؤولين بطبيعة المهام المنوطة باداراتهم أو جهات عملهم، وربما البعض يخشى مواجهة وسائل الاعلام لعدم قدرته عن التعبير عن دور المؤسسة التي ينتمي لها وهذا يؤكد على ان هناك قصورا ذاتيا يثير الكثير من التساؤلات ان البعض يخشى المواجهة الصريحة، وقد يرفض الحديث عن الدور الذي تقوم به مؤسسته لانه يخشى الخوض بالحديث عن الواقع المتسمم بالسلبية وكثرة المعوقات لما في ذلك من اساءة الى الدولة ومؤسساتها ، أو ربما يثير الحديث هذا تساؤلات يخشى التعرض اليها في وسائل الاعلام المختلفة لأن الواقع لا يشجع ولايلتزم بالشفافية وربما يخشى الحديث للاعلام لانه يخشى على مركزه أو وظيفته، فعلى الرغم من الانفتاح الاعلامي الا انه مازالت هناك خطوط حمراء يخشى المسؤولون تجاوزها أو حتى الوصول اليها لانها تدخل في المنطقة الخطرة!! لذا نجد ان البعض من هؤلاء المسؤولين يحددون الموضوعات التي يرغبون بالحديث عنها، والبعض لا يخرج في وسيلة اذاعية أو مرئية الا بعد معرفة مسبقة بالاسئلة أو الموضوعات المراد تناولها.
وعلى الرغم من كل هذا الانفتاح، وكل الشفافية التي ندعيها في مجتمعنا فان هناك مناطق محظورة ويخشى الكثير من المسؤولين الدخول فيها، بل ربما حتى وسائل الاعلام تخشى تناولها لأن هناك اعلاميين هم ايضا يخشون الدخول فيها لان لقمة عيشهم ربما تنقطع، ولكون ان معظم العاملين في الحقل الاعلامي لا يودون تناول الموضوعات التي تهم الانسان والمجتمع مباشرة ويسبحون في موضوعات بعيدة عن الواقع الذي يدركون أن فيه الكثير من الاختلالات والطريق اليه محفوفة بالمخاطر.
سلبيات وايجابيات
إن العلاقة بين الصحفي والمصدر تختلف على حسب طبيعة المصدر نفسه،و أن هناك تبايناً واضحاً بين شخصيات المصادر، فمنها من يعتقد أن الصحفي عدو وخصم له والبعض من المصادر يرى أن الصحفي يمثل الرقيب عليه الذي يبحث عن سلبيات الأمور ولا يتطرق إلى ايجابياتها وهناك فئة من المصادر ترى أن الصحفي الوسيلة الامثل لنقل أفكار المصادر وايصالها للجمهور.وهو مايستوجب بضرورة تعاون المسؤول مع رجال الإعلام والصحافة، بحيث يصب ذلك كله في مصلحة المجتمع مع ضرورة توفير المصداقية
خلاصة القول و نقولها بصراحة ان ممثلي كل الاجيال الصحفية من قدامى وحديثي المهنة يعانون نفس المشكلة بالرغم من ان الصحافة اصبحت سلطة شعبية يمكنها ان تشارك في تحسين اوضاع الشعوب كما أنها الملجأ الأول للمشاركة والتقارب والتعاون بين القيادات والشعب، وفي تقديرنا ان ثمة مفارقة كبيرة واشكالية مهمة يستكشفها الصحفي خلال تجربته ومهمته الانسانية بالدرجة الاولى كي يثق المسؤول بالصحافة ويثق الناس بالمسؤول انها المعادلة التي نسعى اليها في عصر الانفتاح الاعلامي وتدفق المعلومات الذي نعيشه ان استشراف وضع الصحافة المحلية وحرية التعبير يبدو اشكاليا في ظل عدم تعاون الطرف الأهم وهو المسؤول الذي يعتقد ان المؤسسة ملكية خاصة له وان الاهم لديه هو بقاؤه على رأس المؤسسة وعدم التطرق للفشل انها حرب استنزاف طويلة الأمد يتمنى كل صحفي ان تنتهي في يوم ما .