رأي

الطاهر بوسريويل

 

أمين مازن

سُمِّيَ الطاهر بوسريويل ضمن العشرة أعضاء الذين عُينوا بالمجلس التشريعي لطرابلس في هيئته الثانية بمقتضى المرسوم الملكي الموقّع من الملك بناءً على عرض من الولاية، أو هكذا يُفترض أن يكون، باعتبار العدد المذكور يمثل ربع أعضاء المجلس  المحدد عدداً و صلاحيات و مدة كما ينص القانون الأساسي للولاية و المرجعية الدستورية، و هو المجلس الذي انبعث عقب حلّ المجلس الأول الذي انتُخِبَ عقب تأسيس الولاية و إعلان الإستقلال، ذلك الحلّ الذي تم إثر أول خلاف دستوري شهدته الدولة الفتية ذات الولايات الثلاث و الدستور الواحد و الملك الواحد، ذلك الخلاف الذي أُحيل إلى المحكمة العليا و أصدرت بشأنه حكماً أثار الكثير من الأخذ و الرد و انتهى يومئذ باستحداث منصب رئيس المجلس التنفيذي و الإبقاء على الوالي في منصب محصور في الأمور البروتوكولية، و عدم إلغاء الإنتخابات التي أجريت سريعا، و ليس من شك في أن هذه الإعتبارات هي التي حدت بالأطراف الشريكة في السلطة إلى مراعاة توفر المعايير في الذين شملهم ذلك التعيين و الذي من بين شروطه إدخال العناصر التي كثيراً ما يخطئها الإنتخاب لعزوفها في الغالب عن خوض المعارك الإنتخابية، و قد كان الطاهر أبو سريويل هذا من بين الحائزين بقوة لمثل هذه الشروط فضلاً عن كونه من أشهر أعيان بلدته مدينة العجيلات المشهورة بقوة حراكها الوطني أثناء طرح القضية الليبية في المحافل الدولية في الأربعينيات، إذ تأسس بها أكثر من فرع من الأحزاب السياسية حيث كان الرجل في مقدمة الذين انغمسوا في النشاط الأكثر تطرفاً إن صح التعبير لكونه من قياديي حزب الكتلة الوطنية، فيما كان شقيقه الأستاذ حامد لا يقل عنه تحركاً لصلته القوية بالحزب الوطني، حزب البشير السعدواي، و قد كانوا جميعاً من ذوي الأدوار المهمة في المعركة الإنتخابية التي انتفضت على ما شاب الإنتخاب من شبهة التزييف، الأمر الذي دفع السلطة إلى أعمال العنف أولاً و اقتياد الكثيرين إلى السجون ثانياً الإبعاد من مقار العمل ثالثاً، إذ قُدِّرَ لي على الصعيد الشخصي أن أروي عنهم الكثير من المعلومات التي رافقت المرحلة حيث كان السيد سالم المدنيني على نحوٍ خاص أحد الذين طاله ما طاله من الملاحقة عندما عرفته بين الذين التقيتهم في المدينة من الوجوه الوطنية التي ضمها ديوان  نظارة الأشغال العامة كما أشرت في غير هذا المكان، من هنا كانت تسمية الطاهر أبو سريويل بين الأسماء التي عُينت في المجلس التشريعي الطرابلسي في هيئته الثانية و المنبعثة عن الإنتخابات السابقة لأوانها صادرة عن أهلية مكتسبة أكثر من كونها نتاج ملء الفراغ العشوائي كما أن الطاهر نفسه كان مستشعراً لهذه الإعتبارات و ليس على كل من كان يشهد المحيط عن قرب أن يتأمل إن لم نقل يلمس ذلك بوضوح أن يؤكد أنه من الأعضاء الذين لم يتحسسوا موقف السلطة المحلية في تشكيل هيئة المكتب و لا سيما فيما يتعلق بالمنافسة التي جرت بين السيدين الطاهر العقبي و الهادي الرويمي إذ كان إلى جانب الأخير في شيء من الوضوح إنطلاقاً مما عُرِفَ عن الهادي الرويمي في مرحلة ما قبل الإستقلال، و كذلك كان انحيازه للأستاذ بحيح في المقعد الثاني كما و لم يتأخر عن تأييد المجموعة التي طالبت بالمضي في مناقشة القانون الأساسي المعروض على لجنة التشريع و العدل، و حين كان اختياره في اللجان متمثلاً في لجنة الداخلية و ما تمليه عضويتها من الإنشغال شبه اليومي بمشكلات الإدارة المحلية، فقد كان اهتمامه بالجلسات العامة و الحرص على تتبع الكثير من مواد القانون أثناء المناقشة من الوضوح بمكان، و إذا كان المحتكم إلى التوسع في النقاش قد يعتبر هذا الرجل في عداد أصحاب الأداء القليل فإن الذي يرصد ما كان يلاحَظ عليه في مواقف كثيرة من الإكتفاء بتأييد بعض وجهات النظر التي يرى بها الإتفاق مع ما يريد لمِمَا يدل على حرصه على الوقت و عدم إضاعته في التكرار، إذ المهم في مواقف كثيرة هو ترجيح التوجه أكثر من المضي للتكرار الممل، و بالجملة فقد كان مقتصداً إلى حد كبير في أحاديثه الرسمية و غير الرسمية منذ ولوجه مبنى المجلس و حتى خروجه ان لا يأتي إلا و الدورة منعقدة و لا يتواصل إلا مع ما يفرضه الإلتزام الرسمي و بما لا يتعارض مع ثوابته المتعلقة بالتكوينات الإجتماعية و التي لا تقبل كثيراً بما أملته المتغيرات التي أحدثها المجتمع التجاري الجديد و ما أدخله من هزات طالت قناعات الناس و لهفهم خلف المال و التقليل من شأن كل ما له علاقة بالأصالة و الأصول. لم يكن أكبر الأعضاء سناً، حيث سبقه إليها غيره عند الإحتكام إلى البيانات إلا أنه كان كذلك و أكثر حين لا تراه يتجاوز قاعة الإجتماع أ اللجنة أو الردهات عند الإستراحة و ما يتخللها من التسويات غير المبرأة من سوء التصرف و رديء الأداء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى