الرئيسيةثقافة

الكاتب عبد الحفيظ العابد: الرواية تقول ما لا يُقال

حاوره / مهنّد سليمان

الدهشة الأولى وحتميّة التورّط فيها، نعم لعلها دهشة اكتشاف المكان أو بالأحرى النفاذ إلى خباياه، والتوغل نحو أغواره، قد يظن الكثيرون بأن المرء إذا ما أقام في مكان ما حفظه عن ظهر قلب بينما يكون أبعد عنه تماما لا يُدرك منه سوى ما ظهر على سطحه، وهنا تجيء لعبة لذة الاطلاع على الزكائب المطمورة تحت سطوة غبار الذاكرة التي يُؤججها الأدب، ويُلفت انتباه الآخر إليها كما هو الحال في رواية (ماءان) التي يقدمها لنا الشاعر والكاتب الليبيعبد الحفيظ العابدحيث يبدو المكان بطلا مشحونا بشاعرية مطلقة يُحرّك مجريات الأحداث في المتن وعلى الهامش، يأخذ المكان في( ماءان) أبعاد إعادة الاكتشاف، والرجوع بالمزيد من العطش إن الروائي في عمله يُحمّل المكان مسؤولية صوغ التساؤلات وطرحها على الملأ ليُسمع دويّها في الوديان وتحت أشجار الطلح ولدى ظل راعٍ يسرح بأغنامه، الرواية نمذجة للواقع وليست خطابا أخلاقيا هذا ما يؤكده لنا الكاتبعبد الحفيظ العابد، فيجعلنا نقف إزاء سؤال آخر ما جدوى الأدب إن لم يحمل في طيّاته عناصر المفاجأة والصدمة؟    

في ماءان رصد لواقع القرية اجتماعيّاً وإنسانيّاً, لماذا غاب الخط الدرامي الموحّد  عن الرواية؟

يتداخل السؤالان الأول والثاني، ما يصنع الحدث المشترك ويبتني الخط الدرامي هو الإنسان بوصفه الثيمة الرئيسة لـ(ماءان). 

 تعدّد شخوص الرواية وتشابكها داخل القرية كان يمكن أن يصنع حدثاً مشتركاً أليس كذلك؟

رواية ماءان مبذورة بالأسئلة غير المقولة على لسان السارد، وإنما هي متروكة للقارئ يعاينها في مكابدة الشخصيّات وهي تبحث من وجودها الإنساني عبر إيجاد حيّزها الخاص بعيداً عن سلطة المجتمع.

يظهر لنا بأنّ الثيمة التي ينهض عليها العمل بطلها المكان, هل اهتمامك بعنصر المكان جاء على حساب الرؤية؟

المكان يكتسب قيمته عبر علاقته بساكنيه، فهو محايد إلى أن يعيش فيه إنسان، عنئذ يتخلّى عن حياده ويدخل في علاقة جدلية يتبادل من خلالها التأثير والتأثر مع الإنسان، في (ماءان) رصد للشخصيات في حيّزها الشخصي والاجتماعي وهو ما أبدى الشخصيّات متناقضة ربما ومقنّعة أيضاً، وهذا اعتيادي وبالذات في فضاء القرية المغلق والأحادي، لكنّ الشخصيّات تحرّر من هاته الأحادية في حيّزها الخاص.

أم أنك هدفت من العمل أن يكون كاشفاً؟

رصد شخصيّات تعيش في الهامش بوصف القرية هامش المدينة هو ما جعل من الشخصيّات أبطالاً غير اعتياديين، لأنّ بطولتهم تكمن في بساطتهم، أما عن هدف الكشف فهو غاية الرواية، لأنها بالأساس نمذجة للواقع، وليست خطاباً أخلاقيّاً.

برأيك هل يكفي أن يروي الكاتب ما شاهد أو رأى؟ أنت خير من يدرك الفرق بين الروائي والحكّاء؟

 بالتأكيد لا يكفي، كل رواية تتضمن بالضرورة حكاية أو أكثر، لكنّها تعيد بناء هاته الحكاية مؤسسة بذلك خطابها الخاص عبر تقنيات كثيرة معروفة تقطع تراتبية زمن الحكي. إنّ من سمات الرواية إيهام القارئ بواقعيّته رغم أنها خطاب متخيّل، وهو ما فسّره (أرسطو) قديماً في التنظير للدراما بتنامى الأحداث وفق مقتضيات الضرورة والرجحان، من هنا قد يتوهّم القارئ أنها حكاية واقعيّة.

هل على العمل الروائي أن ينبش ما تستر عنه المجتمع؟ 

على خلاف التاريخ الذي يهتم بالأحداث الكبرى تعتني الرواية باليومي والعرضي والطقوس والعادات التي لم تجد مكاناً في مدونات المؤرخين، فالرواية تقول ما لا يقال بغيرها، لأنها معنية بالإنسان دون ممارسة أيّ أحكام عليه، إنها تقدّم الإنسان مجرّداً من كل شيء إلا من إنسانيته وتناقضاته.

عرفت كشاعر تنهض بمروج الكلم كيف ولد الروائي لديك؟

 لا أعرف، هي رغبة ملحاحة تنامت مع مرور السنوات دون امتلاك تفسيرات منطقية لها

لماذا تم توزيع الرواية على نطاق محدود فقط؟ 

لأنها صدرت عن دار نشر خارج ليبيا ولم توزّع في ليبيا إلا بشكل شخصي.

هل هناك عمل جديد تنكب على إعداده؟ 

لا، هناك مشروع لرواية لم يصبح قيد الإنجاز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى