خالد الهنشيري
يرى الروائي «عبدالرحمن منيف»أن تعاملنا مع موضوع اللغة كأنها إحدى البديهيات يتم تقليبها بشكل مسلم به, علماً بأن اللغة عبارة عن كائن-تولد ,تنمو,تكبر,تضمر- حسب اعتبارات وظروف معينة وفي بعض الأحيان يمكن أن تتراجع, وقد تنتهي كما انتهت بعض اللغات لأنها لم تستطع أن تساير طبيعة الحياة الجديدة أو أن تواكبها, فهناك لغات بحكم تكوينها الجذري تستطيع أن تتوالد أو تولد الكثير من المصطلحات والتعابير التي تلائم طبيعة الحياة المتجددة والمتطورة .
لاشك أن اللغة العربية إحدى هذه اللغات, أما أهم أسباب استمرارها تاريخيا دون أن تتغير من حيث التركيب فهو كونها لغة الدين الإسلامي ولآن القرآن صانها, هناك لغات كانت لها جذور معينة كاللاتينية, وبسبب تطورات كثيرة ومتلاحقة ابتعدت عن الأصل, بينما اللغة العربية استطاع القرآن أن يعطيها قواماً معيناً مستمر ومتواصل, وهذا ما جعلها تستمر ضمن تيار واحد ومتصل منذ زمن بعيد, وهناك أسباب استفادت منها اللغة العربية كدخول عدد كبير من الأجانب وأصولهم ليست عربية إلى الإسلام, فبدأت اللغة تتطعم بمجموعة من المفردات الجديدة والمختلفة أو بالخروج عن القواعد التي كان يتقنها أقوام تلك الفترة بشكل سليم, ومن هنا نشأت العامية وقضت الضرورة وضع مجموعة من القواعد لضبط اللسان ولاستمرار اللغة بنفس التيار الأساسي, كل هذا أدى إلى نمو اللهجات العامية وضمور وتراجع الفصحى وأعطى لتطور اللغة أنساقا مختلفة.
تعتبر الصحافة إحدى أهم الوسائل التي استطاعت أن تعطي للغة قواماً مرناً وقدرة على اكتساب حياة وتجدد باستمرار ولعبت بقية أدوات الاتصال أدواراً متعددة في محاولة خلق مرونة للغة وإكسابها مجموعة من الصيغ الحية القادرة على التوصيل, وربما من جملة الأشياء التي حصلت في الواقع هي مايمكن اعتباره أو تسميته اللغة الوسطى, وهي لغة لها علاقة أساسية باللغة الفصحى ولها صلة بالعامية أيضاً من خلال الكلمات والظلال التي لها إيحاءات وتستطيع توصيل مقدار أوفر من المعاني.
لذلك لابد من إنزال اللغة الفصحى إلى معترك الحياة الفعلية, وبدل أن يحصل ذلك تدخل العامية معترك الحياة الفعلية في الفنون السمعية البصرية, وفي المقابل هناك دعوات للدفاع عن الفصحى المحنطة لدرجة اعتبار أن اللغة كياناً مقدساً لايجوز الاجتهاد فيها إلا للفقهاء, فاللهجة العامية قد تسهم في فرض أجواء من العزلة , وقد تصبح عائقاً أساسياً خاصة في مجال الفنون الكتابية , فالقدسية التي تضفي على اللغة الفصحى وصبغها بنوع من الجمود.
ويعتبر المبدعون والمقننون والمفسرون والشُراح قد ساهموا فعلياً في تطوير اللغة, ويجب أن يتصدى المبدعون من جديد لهذه المهمة وأن يتعاملوا معها بقدر كبير من المسؤولية, فالمؤسسات التي تصدت للغة حتى الآن من مجامع لغوية وغيرها, انجازاتها لاتتناسب مع أهمية الموضوع وجزءاً ظل عبارة عن شيء جامد غير حي .