الهوية والمعمار..
خالد الهنشيري
بمناسبة اليوم العالمي للفن الإسلامي الذي أُقر ليكون في الثامن عشر نوفمبر من كل عام ، ليبيا لم تكن بمعزل عن التيارات الحضارية الناشئة على ضفاف المتوسط، مهما اختلفت الآراء حول الإسهام الليبي في إقامة تلك المراكز الحضارية التي نشأت في العهود الفينيقية القرطاجنية- اليونانية الرومانية بسبب إهمال الدراسات المنهجية للفن لمعماري الإسلامي في ليبيا بحكم سيطرة وغلبة معايير التقييم التقليدية التي تؤخذ بالزخرفة والعناصر الإضافية الأخرى، خلاف ما وفره أحد تيارات النقد الحديث في الفن المعماري الإسلامي بتشديده في المقام الأول على عنصر الفضاء الداخلي وما ينطوي عليه من إبداع وتعبير .. هذا الأسلوب أتاح جانباً كبيراً لدراسة فن المعمار الإسلامي في ليبيا .
هذا ما ورد في كتاب (المعمار الإسلامي في ليبيا) لمؤلفه «غاسبري ميسانا»، أفرد فيه مساحات كبيرة لقباب وأقواس المساجد الليبية، التي تميزت بالبساطة والتفرد عن بقية الدول التي مرت بها الفتوحات الإسلامية، وصولاً إلى الحكم التركي .. ونمط القباب الصغيرة في معمار المساجد الليبية هي ثمار رمزية دينية خاصة بليبيا، ويستند في ذلك إلى ظاهرة المرابطية، التي ترجع إلى الآثر الذي خلفه المرابطون والموحدون في كافة أرجاء شمال أفريقيا، عندما بدأ ظهور أناس يتميزون بالتقوى والاستقامة والزهد مع الثقافة الدينية وكانوا بعيدين كل البعد عن المنافع الدنيوية ومنصرفين إلى التعاليم الأخلاقية والوعظ والإرشاد ، وكان هؤلاء يسمون عادة «مرابطية».. وكثيراً ما يعتبرهم الغربيون قدّيسي الإسلام، حسب وصفه .
ويسترشد بما دونه «انطونيو تشيزارو» الذي نقل إلى الايطالية كتاب العالم التاجوري الشيخ «عبدالسلام بن عثمان» الذي قام بزيارة استكشافية لسواحل طرابلس، وذكر أن المرابطية الليبية بما فيها القبة التي تبنى عادة من الحجارة الملتحمة بالمونة الجيرية أو الجصية ولا تحمل زخرفة خارجية ماعدا بعض الشرفات التي تكلل أركان المبنى كما ليس لها زخرفة في الداخل عدا أسطر قليلة من الكتابات المنقوشة على الحوائط أو المخطوطة بالطلاء على الجدران ، وتقع القبة أحياناً فوق الجدران المحيطية وتستند على أربع جوفات مقوسة نظامية نوعاً ما، ولبعضها فتحة صغيرة ويتدلى من القبة أحياناً فانونس بدائي، وتتميز قباب جبل نفوسة بالشكل المستطيل .
ويذكر المؤلف أن أقدم جامع حمل طراز القباب هو جامع «عبدالله بن أبي السرح» في واحة أوجلة، وتنتشر أيضاً عدة مساجد من هذا النّوع على كامل أرض ليبيا، إضافة إلى شكل المرافق العامة الأخرى، والمقابر الأثرية في واحة زويلة بفزان.
الغريب وأنتَ تتجول في شوارع مدينتكَ محاولاً رسم صورة لمعالم المكان الذي أصبحتَ أنت وكثيرون جزءاً منه، المساجد والبيوت لا تحمل طرازاً معمارياً معيناً يمكن أن تصف به هوية أصحاب المكان أو ترجع ماعمروه إلى حقبة معينة وتأثرهم ببعض الحضارات، ما يجري حولكَ يرسم لك صورة أخرى تماماً وكأن الأمرَ ممنهجٌ !!