حدائق البهجة.. ناصر سالم المقرحي.. قراءة في لوحات بوسبيحة
موضوعات غير التي اعتدنا مشاهدتها سابقاً فيما يخص تجربته الفنية، يطالعنا بها الفنان موسى أبو سبيحة في معرضه الذي اقيم خلال الفترة الماضية بدار الفنون وبخلاف ما كنا قد رأيناه من أعمال تتناول الطبيعة المحلية والطبيعة الصامتة وموضوعات الرسم المباشر، وحتى تلك التي تُغرق في الرمزية وتُحيل ألوانها وبعض موضوعاتها الغامقة وتكويناتها المُعتمة إلى أساطير موغلة في القِدم ووقائع تاريخية يبدو أنها استوقفت الفنان لسبب أو لآخر كون الفنان قارئ بالأساس ولديه تجربة مع الكتابة الوجدانية وكتابة القصص، ومؤكد أن هذا الجانب من الرسم بهالة الغموض التي تلفه لا يتغيا إبراز الأشياء المرئية بقدر ما يهدف إلى طرح فكرة أو قيمة أو مفهوم.
بوجه مختلف تماماً –وكما لو أنها مفاجأة– إذ أن الفنان الذي يعتكف طويلاً ويختفي من فضاء الفيس بوك أحياناً، لا يضيع أوقاته في ما لا طائل من وراءه بل يستغلها في الرسم والأشتغال الجدي لرفد التجربة ككل بالجديد والمختلف، فالفنان يمتلك روح المغامرة والمبادرة –هذا واضح– ولديه إيمان كما يبدو بالتجريب، ويحاول كل مرة أن يظهر بأهاب جديد ولا يمل من فتح مسارب أخرى، فإلى جانب أن الفنان ينتج لوحات زيتية ومائية، لديه تجربة عريضة مع الرسم للأطفال وتأليف القصص، وقام بنشر أعماله في مجلة الأمل الشهيرة وببعض المطويات التوعوية.
أيضاً لا يكتفي الفنان بهذه الأشتغالات بل يضيف إليها إنتاجه الأدبي وكتاباته القصصية والوجدانية، أو تلك التي تندرج تحت مسمى الخواطر واللوحات القلمية.
والمُفاجئ في الموضوع هنا هو أن الفنان وعلى غير المتوقع عرض لوحات جديدة تماماً لم يراها الجمهور حتى في فضاء الفيس بوك الذي يداوم على نشر بعض أعماله على حائطه، وكان يدّخر هذه الأعمال ليعرضها أخيراً في معرض مباشر وغير افتراضي، وكمتلقي كنت أعتقد أن المعرض سيحتوي على كل أو بعض اللوحات التي رأيتها للفنان في صفحته على الفيس بوك إلا أن توقعاتي لم تكن في محلها وما عرضه الفنان كان مختلف كليا.
فالفنان الذي يظهر هنا كحالم كبير ورومانسي يمت بصِلة روحية إلى الفنانين الرومانسيين الأوائل، ويبدو مأخوذاً بتجليات الطبيعة، خصص هذه الإطلالة لعرض لوحات تُصور الأزهار فقط وتبرز تشكيلاتها الجميلة بأسلوب فني رائع يعطي للعمل المصور حقه وتحتفي به، بشكل تزدهي معه الألوان الذي يُخضعها الفنان لذائقته أولاً كونه ليس بارعاً في خلطها ومزجها فحسب بل في استنباط تركيبات جديدة جراء هذا الخلط المستمر والموزون والذي تتحكم في مقاديره وكمية الضوء فيه عين الفنان وخياله.
ذات الأسلوب الذي عُرِفَ به الفنان والذي استعمله في تنفيد وإنجاز لوحاته المختلفة، نجده هنا أيضاً،غير أنَّ الفرق بين لوحاته السابقة واللوحات المعروضة حالياً هو أن الأخيرة ذات مقاسات واسعة، إذ تبلغ مساحة الواحدة منها في المتوسط متر في المتر وقد تزيد قليلاً لتصل إلى المتر في متر وستون سنتيمتراً حيثُ توزعت إحدى عشرة لوحة في أركان قاعة العرض بطريقة جميلة.
ويؤكد تجريبية الفنان وعدم سكونيته أنهُ وفي حُمى الشغل وأثناء الرسم وفي تلك اللحظات التي يعرفها كل مبدع ويتذوق عذوبتها كل فنان ويتلمس استثنائيتها كل حالم وشاعر، اللحظات المترعة بالشغف والتوهج، قد يُلقي الفنان بالفرشاة بعيدا ليكمل الرسم معتمداً على خلط وطرح العجينة اللونية فوق السطح بأنامله ليحصل في نهاية الأمر على تأثيرات مختلفة ومعطيات حسية قد لا تقدر الفرشاة على وضعها.
خاصة وأن الفنان وفي خطوة تجريبية أخرى لم يتردد في استعمال خامتين ذات خواص مختلفة في نفس اللوحة، إذ أن الفنان استعمل تقريباً –وحسب قائمة اللوحات المرفقة– لوني الزيتي والأكريليك لإنجاز كل لوحة، وهذه استراتيجية في الرسم لا يتّبعها فنان ما لم يكن مغامراً ويتمتع بقدر من الشجاعة في تصوري..والداخل إلى صالة العرض سيعتقد لوهلة أنهُ يدخل إلى حديقة أو بستان، فالأزهار المرسومة من النضارة بمكان ومن الطزاجة أيضاً، وكما لو أنك تشاهد أزهاراً حقيقية ستتلمس بأنفك الرائحة والعطر المنبعث منها، وستصاب بخيبة أمل كون العطر غير موجود وهنا سيتدخل الخيال ليكمل المتعة الناقصة، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن ترى كل هذا لجمال والنضارة دون أن تستحضر العطور الزكية وتتخيل روائح الربيع الخلابة ومظاهر تألقه، فالطبيعة التي تمارس تألقها وزهوها من خلال هذه الورود والأزهار بتكويناتها الزاهية وملمسها المرهف والشفيف ونضارتها التي لا تُخطئها العين لا تتردد في ممارسة سحرها علينا، حتى أننا نكاد أن نثمل بتجلياتها التي لا نهاية لها، إذ يوجد ألاف أو عشرات الآلاف من الأزهار على هذه الأرض، وهي تشكل في كل الأحوال معين لا ينضب للفنان ومصدر إلهام لا حدود له.
ومعلوماً أن الأزهار هي الموضوع الأول أو من الموضوعات الأولى التي سيفتح عليها الفنان عينيه وسيتفتح وعيه، فلا أحد من الفنانين تقريباً وكما أتصور لم يرسم تلك المزهرية المزدانة بباقة أو حزمة من السيقان التي ينتهي أعلاها بالأوراق الخضراء والزهور زاهية الألوان التي تتفنن الطبيعة في صنعها كما لو أنها تتحدى قدرتنا المحدودة على محاكاتها، وتسخر من ضعفنا أمام قدرتها على الإدهاش.
والجميل في أمر لوحات المعرض أن الفنان لا يرسم الأزهار بطريقة مباشرة أو كما هي في الواقع بل أنهُ يسبغ عليها من إحساسه ورهافته وبحسب انطباعاته عنها وحرفيته، ويرسمها كما تراها عين الفنان لا كما تراها عين المتلقي العادي، ولهذا نحس أحيانا كمتلقين أننا لا نشاهد أزهاراً وإنما نرى لُطخ لونية حمراء وصفراء وبيضاء وسط الأخضر المتفاقم والخارج عن سيطرة الجمال والتصنيف، لُطخ أو بُقع توحي بوجود الأزهار.
ويزيد هاته الأزهار لطافة وجمال أنها اقتناصة أو التقاطة شاهقة لشيء زائل وغير راسخ فالمعلوم أن هذه الأزهار ما أن تتفتح وتُكمل دورتها الحياتية وتظهر في الطبيعة في مواسم وأوقات معينة من العام وتحت ظروف محددة حتى تختفي وتغادر المشهد تاركة المكان لعناصر أخرى لن تتأخر في الظهور والتجلي وملء الفراغ .
موضوعات غير التي اعتدنا مشاهدتها سابقاً فيما يخص تجربته الفنية، يطالعنا بها الفنان موسى أبو سبيحة في معرضه الذي اقيم خلال الفترة الماضية بدار الفنون وبخلاف ما كنا قد رأيناه من أعمال تتناول الطبيعة المحلية والطبيعة الصامتة وموضوعات الرسم المباشر، وحتى تلك التي تُغرق في الرمزية وتُحيل ألوانها وبعض موضوعاتها الغامقة وتكويناتها المُعتمة إلى أساطير موغلة في القِدم ووقائع تاريخية يبدو أنها استوقفت الفنان لسبب أو لآخر كون الفنان قارئ بالأساس ولديه تجربة مع الكتابة الوجدانية وكتابة القصص، ومؤكد أن هذا الجانب من الرسم بهالة الغموض التي تلفه لا يتغيا إبراز الأشياء المرئية بقدر ما يهدف إلى طرح فكرة أو قيمة أو مفهوم.
بوجه مختلف تماماً –وكما لو أنها مفاجأة– إذ أن الفنان الذي يعتكف طويلاً ويختفي من فضاء الفيس بوك أحياناً، لا يضيع أوقاته في ما لا طائل من وراءه بل يستغلها في الرسم والأشتغال الجدي لرفد التجربة ككل بالجديد والمختلف، فالفنان يمتلك روح المغامرة والمبادرة –هذا واضح– ولديه إيمان كما يبدو بالتجريب، ويحاول كل مرة أن يظهر بأهاب جديد ولا يمل من فتح مسارب أخرى، فإلى جانب أن الفنان ينتج لوحات زيتية ومائية، لديه تجربة عريضة مع الرسم للأطفال وتأليف القصص، وقام بنشر أعماله في مجلة الأمل الشهيرة وببعض المطويات التوعوية.
أيضاً لا يكتفي الفنان بهذه الأشتغالات بل يضيف إليها إنتاجه الأدبي وكتاباته القصصية والوجدانية، أو تلك التي تندرج تحت مسمى الخواطر واللوحات القلمية.
والمُفاجئ في الموضوع هنا هو أن الفنان وعلى غير المتوقع عرض لوحات جديدة تماماً لم يراها الجمهور حتى في فضاء الفيس بوك الذي يداوم على نشر بعض أعماله على حائطه، وكان يدّخر هذه الأعمال ليعرضها أخيراً في معرض مباشر وغير افتراضي، وكمتلقي كنت أعتقد أن المعرض سيحتوي على كل أو بعض اللوحات التي رأيتها للفنان في صفحته على الفيس بوك إلا أن توقعاتي لم تكن في محلها وما عرضه الفنان كان مختلف كليا.
فالفنان الذي يظهر هنا كحالم كبير ورومانسي يمت بصِلة روحية إلى الفنانين الرومانسيين الأوائل، ويبدو مأخوذاً بتجليات الطبيعة، خصص هذه الإطلالة لعرض لوحات تُصور الأزهار فقط وتبرز تشكيلاتها الجميلة بأسلوب فني رائع يعطي للعمل المصور حقه وتحتفي به، بشكل تزدهي معه الألوان الذي يُخضعها الفنان لذائقته أولاً كونه ليس بارعاً في خلطها ومزجها فحسب بل في استنباط تركيبات جديدة جراء هذا الخلط المستمر والموزون والذي تتحكم في مقاديره وكمية الضوء فيه عين الفنان وخياله.
ذات الأسلوب الذي عُرِفَ به الفنان والذي استعمله في تنفيد وإنجاز لوحاته المختلفة، نجده هنا أيضاً،غير أنَّ الفرق بين لوحاته السابقة واللوحات المعروضة حالياً هو أن الأخيرة ذات مقاسات واسعة، إذ تبلغ مساحة الواحدة منها في المتوسط متر في المتر وقد تزيد قليلاً لتصل إلى المتر في متر وستون سنتيمتراً حيثُ توزعت إحدى عشرة لوحة في أركان قاعة العرض بطريقة جميلة.
ويؤكد تجريبية الفنان وعدم سكونيته أنهُ وفي حُمى الشغل وأثناء الرسم وفي تلك اللحظات التي يعرفها كل مبدع ويتذوق عذوبتها كل فنان ويتلمس استثنائيتها كل حالم وشاعر، اللحظات المترعة بالشغف والتوهج، قد يُلقي الفنان بالفرشاة بعيدا ليكمل الرسم معتمداً على خلط وطرح العجينة اللونية فوق السطح بأنامله ليحصل في نهاية الأمر على تأثيرات مختلفة ومعطيات حسية قد لا تقدر الفرشاة على وضعها.
خاصة وأن الفنان وفي خطوة تجريبية أخرى لم يتردد في استعمال خامتين ذات خواص مختلفة في نفس اللوحة، إذ أن الفنان استعمل تقريباً –وحسب قائمة اللوحات المرفقة– لوني الزيتي والأكريليك لإنجاز كل لوحة، وهذه استراتيجية في الرسم لا يتّبعها فنان ما لم يكن مغامراً ويتمتع بقدر من الشجاعة في تصوري..والداخل إلى صالة العرض سيعتقد لوهلة أنهُ يدخل إلى حديقة أو بستان، فالأزهار المرسومة من النضارة بمكان ومن الطزاجة أيضاً، وكما لو أنك تشاهد أزهاراً حقيقية ستتلمس بأنفك الرائحة والعطر المنبعث منها، وستصاب بخيبة أمل كون العطر غير موجود وهنا سيتدخل الخيال ليكمل المتعة الناقصة، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن ترى كل هذا لجمال والنضارة دون أن تستحضر العطور الزكية وتتخيل روائح الربيع الخلابة ومظاهر تألقه، فالطبيعة التي تمارس تألقها وزهوها من خلال هذه الورود والأزهار بتكويناتها الزاهية وملمسها المرهف والشفيف ونضارتها التي لا تُخطئها العين لا تتردد في ممارسة سحرها علينا، حتى أننا نكاد أن نثمل بتجلياتها التي لا نهاية لها، إذ يوجد ألاف أو عشرات الآلاف من الأزهار على هذه الأرض، وهي تشكل في كل الأحوال معين لا ينضب للفنان ومصدر إلهام لا حدود له.
ومعلوماً أن الأزهار هي الموضوع الأول أو من الموضوعات الأولى التي سيفتح عليها الفنان عينيه وسيتفتح وعيه، فلا أحد من الفنانين تقريباً وكما أتصور لم يرسم تلك المزهرية المزدانة بباقة أو حزمة من السيقان التي ينتهي أعلاها بالأوراق الخضراء والزهور زاهية الألوان التي تتفنن الطبيعة في صنعها كما لو أنها تتحدى قدرتنا المحدودة على محاكاتها، وتسخر من ضعفنا أمام قدرتها على الإدهاش.
والجميل في أمر لوحات المعرض أن الفنان لا يرسم الأزهار بطريقة مباشرة أو كما هي في الواقع بل أنهُ يسبغ عليها من إحساسه ورهافته وبحسب انطباعاته عنها وحرفيته، ويرسمها كما تراها عين الفنان لا كما تراها عين المتلقي العادي، ولهذا نحس أحيانا كمتلقين أننا لا نشاهد أزهاراً وإنما نرى لُطخ لونية حمراء وصفراء وبيضاء وسط الأخضر المتفاقم والخارج عن سيطرة الجمال والتصنيف، لُطخ أو بُقع توحي بوجود الأزهار.
ويزيد هاته الأزهار لطافة وجمال أنها اقتناصة أو التقاطة شاهقة لشيء زائل وغير راسخ فالمعلوم أن هذه الأزهار ما أن تتفتح وتُكمل دورتها الحياتية وتظهر في الطبيعة في مواسم وأوقات معينة من العام وتحت ظروف محددة حتى تختفي وتغادر المشهد تاركة المكان لعناصر أخرى لن تتأخر في الظهور والتجلي وملء الفراغ .