رأي

دستور مفقود و إعلان دستوري مرفوض

 

أبوبكر المحجوب

يبدو أننا لا نستشعر خصوصية دستورنا الليبي من حيث كونه العقد الاجتماعي الوحيد الذي يتوافق مع العقل الجمعي للأمة . فأهمية دستورنا تكمن في دوره الكبير في البناء الديمقراطي والذي يضمن لنا تداول السلطة أي أن أيّ مواطن ليبي يحق له أن يتقدم لانتخابات الرئاسة و لفترتين محدودتين فترة كل منهما أربع سنوات فالنهج الديمقراطي يمثل خارطة الطريق نحو فصل السلطات الثلاثة ” التشريعية  التنفيذية  القضائية ” و يضمن استقلال القضاء و نفاذ الدستور و حصانته و يعمل على العدالة الانتقالية  و العدالة الاجتماعية و آليات الديمقراطية و مساراتها هي الطريق الأمثل لكشف الفساد الإداري والمالي و معالجتهما بحسب آليات هذا العصر و أفكاره المطوّرة  و هذا ما كان ينادي به كل مواطن ليبي حر و لكن للأسف تدخل أشخاص مؤدلجين و محسوبين على تكتلات دينية تم اختراق ثورة السابع عشر من فبرايرهذه الثورة الشعبية التي انطلقت من كل المناطق الليبية لقد تم اختراقها و أهدرت طاقتها وتم أيضا تحويل ثوارها إلى مرتزقة و بهم قد بيع مخزون سلاح الجيش الليبي إلى كثير من دول القارة الأفريقية و كذلك دول بعض من دول آسيا و إسرائيل و فلسطين و أوكرانيا و غيرها  أيضا هؤلاء المؤدلجين و التابعين لتكتلات ذات طابع ديني قد مهدوا لدخول قوى إقليمية عربية و غيرها و قوى دولية انتهازية لا تقرّ بمبدأ تبادل المصالح بل بفرض مصالحهم على الدولة الليبية الناشئة و إذا كان حديثنا عن الدستور وجب التذكير بأهمية البناء الديمقراطي  و هذا يدعونا إلى تسليط الضوء على تاريخ الأحزاب الليبية و دورها في التاريخ الليبي الحديث و الذي يتلخص في قيام جمعية عمر المختار على يد عدد من الناشطين السياسيين من رجال هذا الوطن بالمهجر  فقد تم تأسيس هذه الجمعية في مصر في 31 يناير عام 1942م ثم تجدد إعلان تأسيسها في بنغازي بتاريخ 4 أبريل 1943م و قد أفتتح لها فرع بمدينة درنة و كان لها نشاط كبير  ثم تأسست بعدها الجبهة الوطنية البرقاوية في عام 1946م  ثم رابطة الشباب الليبي فالمؤتمر الوطني البرقاوي و هذه الحركات السياسية انقسمت ما بين معارض للحكومة و مؤيد لها و بعدت عن مصالح الوطن الحقيقية في وحدة التراب الليبي . و لقد تم حلها جميعا و ظهرت أيضا في المنطقة الغربية حركات سياسية مشابهة قامت على مستوى العائلات والمناطق العرقية المختلفة و وجود عدد من القيادات الدينية و الاجتماعية وعائلات متنفذة بسبب علاقاتها التاريخية بالخارج و تعاونها مع الأقليات الأجنبية بداخل طرابلس و من هذه الأحزاب الحزب الوطني حزب الجبهة الوطنية المتحدة  حزب الكتلة الوطنية  حزب الاتحاد المصري الطرابلسي  حزب العمال حزب الأحرار حزب الاستقلال هيئة تحرير ليبيا  و الحزب المؤتمر الوطني الطرابلسي  منها ما ماتت في مهدها بعد بضعة شهور و نتيجة لغياب الإطار الفكري الجامع  حيث كلها لم يكن لها بعد نظري  بل اكتفت بالنظر إلى ما تحت رجليها ففقدت قيمتها الحزبية و تواصلها مع غالبية الشعب  و تم حلها فيما بعد هي أيضا و كان الدور الحكومي هو الطاغي منذ أول انتخابات حزبية تمت بموجب قانون الانتخابات الذي صدر في يوم 19 فبراير 1952م  كموعد للاقتراع العام في أول انتخابات برلمانية  حيث رجحت الكفة لأصوات الناخبين الموالين للحكومة  مما حدثت صدامات دامية قتل فيه العديد من الليبيين المنتمين لأحزاب الوطنية الرافضة للوجود الأجنبي بالبلاد من قبل البوليس  فتحول الأمر إلى القضاء الذي قضى بحل كل الأحزاب و حكم بنهاية النشاط السياسي للأحزاب و منذ تلك الفترة كانت السجون تمتلئ بأصحاب الأفكار الحزبية  وكان بعضهم أكثر دهاء في إبداء الليونة مع النظام السابق إلى أن تم تقويضه و إنهائه رغم انفتاحه على الآخر و إجراء بعض التحسينات والتي كانت قد تخرج ليبيا من هذا الوضع السياسي الدراماتيكي الذي أوجبته الخطابات الثلاثة في هذا العصر الجديد  و الذي تغيّرت فيه كثير من المفاهيم بحسب التطور التكنولوجي الذي أوجد المعرفة والتمنية مدخلا له لأن تحظى الشعوب بمساحة من حرية التعبير من خلال التواصل الاجتماعي و انتشار منظمات المجتمع المدني الداعمة له و تبني الأفكار المطورة للعمل الجماعي و تلاشي الفكر الأوحادي في قضايا الأمم التنموية في محاربة الفقر والمرض و الجهل. و اليوم يتضح جليّا أنه لا ديمقراطية بدون وجود أحزاب وطنية ملتصقة بالشعب تعمل على تحقيق كل مطالبه و طموحاته في تحقيق الازدهار و التقدم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى