شوي من الحنّة وشوي من رطابة اليد
للكاتب أمين مازن
أفرجت حكومة السيد عبد الحميد دبيبة على الساعدي القذافي، النجل الثاني للعقيد معمر القذافي من زوجته الثانية «صفية فركاش» بعد سجن و محاكمة كثيراً ما عُرِضَت لمحات منها تلفزيونياً، إثر إعادته من ملجئه عقب سقوط نظام سبتمبر و لم تكتف الحكومة بإفراجها اللافت هذا و إنما ألحقته بتمكينه من السفر إلى اسطنبول و وسط أنباء تتحدث عن احتمال الإفراج بقية من يُدعون برجال الدائرة الأولى من أمثال عبد الله السنوسي و عبد الله منصور و أحمد ابراهيم و أحمد رمضان و منصور ضو «مع حفظ الألقاب» و قد وفر هذ الحدث مادةً خصبةً للفضائيات التي تبث من الخارج و كوادرها التي تخوض في كل شيء و تتبنّى خطاباً كثيراً ما يبدوا متشابها، فضلاً عن كونه متفقاً في الاصطفاف بل و الحرص على احتكار هذا الاصطفاف و التنافس داخل دائرته، و إذا كان من غير الممكن التعرض لما قيل مفصلاً و لا سيما السؤال المهم حول ما إذا كانت الخطوة جزءاً من صفقة تم البت فيها بواسطة قوى أكبر أو أنها جزءٌ من توجه عام أملته الضرورات الداخلية و احتدام الصراع بين مختلف القوى، فإن الذي ليس أمام جميع الفرقاء إلا أن يلاحظوه هو أن ما ساد الحقبة التي تلت السابع عشر من فبراير من سياسات مالية و إدارية و إجراءات اقتصادية شملت الأفراد و الجماعات و المناطق و كان ما شابها من التجاوز و سوء التصرف و الأداء لا يقل عمّا سبقه مما كان مثار غضب الناس فإن كل تحسس أو خشية من رجال العهد السبتمبري على العهد الفبرايري إنما هو من قبيل استسهال تحديد المسئولية و بالأحرى إلقاء التبعة و اختلاق الضحايا، فالعهود لا تُخلَق معارضتها إلا من سوء أدائها، و البلد الذي يسير أهله على بِرَكٍ من النفط و ينفق من دخله على كل شيء ليس له إلا أن يكابد صراع ساكنيه على معظم الصعد ابتداءً من مشيخة الحارة إلى رئاسة السلطة، و يكفي ما تحرص على بثه الفضائيات الأكثر قرباً من الحقيقة عن أرقام الصفقات المالية المهولة و المخالفات المفضوحة و تقارير الرقابة التي لا تُقابَل إلا بمزيد التجاهل، و ما على الذين لا يسأمون تحذير الناس من احتمال نكث بعض الذين سيُفرَج عنهم عهودهم إلا أن يتذكروا كل من آثرَ الصمت طيلة بقائه و من لم يتردد في المجاهرة بما يرى، و قديماً طُلِبَ إلى أحد رجال الأمن أن يطلب من معارضي الخارج أن يعودوا فكان رده: إحسنوا للموجودين قبل أن يلحقوا بالمعارضين، و كلما نجحت السلطة في إشعار رعاياها بالفرق بين حياة السجن و حياة البيوت كلما ضمنت عدم ازدياد الهجرة و تنماي الجبهات الخارجية التي كثيراً ما اضطُرت لأن تقبل مُكرَهة ما لا تريد. و قديماً قال أهلنا (شوي من الحنّة و شوي من رطابة اليد).