علي المصراتي نسخة لا تتكرَّر.. لأمين مازن
لم تسمح ليَّ إقامتي المُحَيَّنَة سلفًا أن أقطع زيارتي للأهل في مسقط الرأس وموطن النشأة الأولى، فاستأنف إقامتي الاعتيادية ومركز حركتي بالعاصمة لأشهد الجلسة المبرمجة في اجتماعات مجمع اللغة العربية للراحل الكبير الأستاذ علي المصراتي، الذي غادرنا جسدًا في مثل هذه الأيام من العام الماضي، عندما شاركنا في مراسم إقباره إلى جانب الصحابي سيدي المنيدر، حيث إقامة المصراتي منذ تمكنه من بناء عش الزوجية في خمسينيات القرن الماضي، واستقرار حياته أديبًا و صحفيًا ومناضلًا، وبالجملة وجهاً بارزاً في ليبيا المستقلة دائب الحضور المتجاوز للجهويات و الاصطفافات الصغيرة، و مثالاً منعدم الشبيه في الحيوية و القبول بالآخر، كما تُجمِع الوثائق التي طالما حفلت بها تقارير الدولة عن دوره و تنزّهه عن كل ما يشين أو ينال من السمعة طوال المشوار الذي بدأه في نهاية أيام الإدارة البريطانية، و التي شهدت عودته من المهجر المصري، حيث المولد و النشأة و التكوين و المشاركة العلمية و العملية في كل ما يتعلق بالوطن و بالذات عندما تبوأ مقعد النيابة، فكان نائباً عن الوطن في عمومه حريصاً أكثر من جميع نظرائه على التحرك تجاه كل رفاق الكلمة لا يكلّ من العمل و لا يخشى المسافات و لا يتوقف عند الخلاف، و اعترف كتاباته التي مثلت لي ذات يوم المرشد، هي ذاتها التي حفزتني على الحوار النقدي المثمر و الذي ربما حمل شيئاً من الخصوصية، و ما إدراجي لها في فضائي هذا و الذي أودعته جُلَّ أو كلَّ ما حررت سوى من قبيل الأمل في تناول ما لم يتيسر تناوله من هذا الفيض المعرفي الذي لا يُجارى، دون إغفال الظروف الموضوعية التي رافقت المنجز، بحيث يتم التوفيق بين التذكر و التماس العذر، أي عدم الشطط في التقييم، و عندما لم تسمح لي التزاماتي أن أشهد المنشط عامة و ما يخص المصراتي خاصة، لا يفوتني أن أحيِّ و أُجِل جميع الذين خططوا و نفذوا و حضروا، مستأذناً أن أخص بالذكر الأستاذ عمَّار جحيدر على ما بذله و يبذله من جهد و ليرحم الله الراحل الكبير الذي كان مجمعاً لوحده، أما مكتبته الخاصة فلا نشك أنها حين توجد الدولة فسيكون تأمينها على رأس الأولويات الفكرية و لا عجب، فقد كان المصراتي نسخة لا تتكرَّر.