على مر العصور وجدتْ ثنائية الرجل والمرأة واتخذت العلاقة بينهما اشكالاً مختلفة حسب طبيعة الحياة والبيئة والدور المنوط بهما والواجبات والحقوق ثم تغيرتْ لعبة الأدوار باختلاف الزمن وبدأت المرأة التي كانت تشكل الثقل المكمل للرجل في رحلة الحياة المتعبة في بعض المجتمعات محصورة في زاوية الدور الاجتماعي الذي عرّضها لاشكال مختلفة من العنف والانتقاص الذي يمارس عليها من المجتمع أولاً ومن الشريك الرجل ثانياً.
فعندما يرى مجتمعٌ ما (كالمجتمع الليبيّ) أنّ الرجل يحقّ له ضرب المرأة. أو أنّ المرأة لا تصلح لأيّ وظيفة كالرجل؛ فيقوم المجتمع بحصر خياراتها بين المعلّمة والطبيبة مثلاً، ناهيك عن قسم آخر من المجتمع يرفض عملها أساساً؛ ويقيّد حركتها يعد نوعاً معلناً من أنواع العنف القائم على النَّوع الاجتماعي فدور المرأة العاملة في المجتمع وخياراتها، مهام المنزل وربطها بالمرأة، الرجل لا يبكي، المرأة تحكمها العاطفة، من حقّ الرجل أن يضرب المرأة، وغير ذلك من الفروقات والتصوّرات التي يضعها المجتمع.يعد نوعاً من أنواع العنف؛ فأي فعل مؤذٍ يُرتكب ضدّ إرادة الشخص. وهو مبني على الفروق بين الذكور والإناث التي يُعزى وجودها لأسباب اجتماعية يعد عنفاً اجتماعياً.
الأدوار الاجتماعي والخيارات المحدودة
فهو في جوهره قائمٌ على الأدوار الاجتماعية بين الذكر والأنثى، كما تراها الثقافة المحلية، وتعد الغالبيّة العُظمى من ضحايا العنف القائم على النَّوع الاجتماعي في مختلف الثقافات هم الفتيات والنساء.
هذا النَّوع من العنف هو الأكثر انتشارا والأقلّ إبلاغا. كما أنّ له أكثر من إطار. مثل: الإطار العائلي (العنف الأسري) سواء أفراد الأسرة من الدرجة الأولى أو الثانية. الإطار الزوجي بين الزوج وزوجه، الإطار الحميميّ اللازوجي IPV كالزوج السابق والخطيب والصديق، والإطار الاجتماعي ويشمل العنف الممارس في إطار العمل والأماكن العامة والمؤسّسات الحكومية كالمدارس وغيرهااضافة الى العنف المصاحب للحروب والنزوح والتهجير في غياب القانون وغيره.
تصنيفات وأشكال
تقسِّم أدبيات صندوق الأمم المتحدة للسكّان UNFPA العنفَ القائم على النوع الاجتماعي إلى 5 فئات:
العنف الجسدي: وهو استعمال القوّة البدنيّة لفرض سلطة قويّ على ضعيف، وتكون نتائجه الإصابة أو الانزعاج. كالضرب واللكم والحرق وليّ الذراع وما في حُكمها.
العنف الجنسي: هو أيّ فعلٍ أو محاولة أو مبادرة أو تعليق ذات دلالات جنسيّة.أو ممارسات اتجار أو فعلٍ جنسيّ بالإكراه. مهما كانت علاقة الفاعل بالناجي/الضحيّة..
ويشمل الاغتصاب والتحرّش الجنسي والاستغلال، وغيره.
العنف الاقتصادي: هو الحرمان من الموارد والفرص والخدمات (كالصحة والتعليم). أي بمعنى الحرمان من الحقوق الاقتصاديّة. كالحِرمان من العمل، التحكّم في في أمواله/ها الشخصيّة رغما عنه/ها، التمييز في فرص التوظيف، والحرمان من الميراث وغيرها.
العنف النفسي/العاطفي: وهو إيقاع الألم أو الأذى النفسي والعاطفي. وهذا يشمل ممارسات عديدة وخطيرة. مثل: التهديد، إساءة المعاملة، الإهانة الشفهيّة، الإقصاء الاجتماعي، التنمّر، السخريّة، التهديد بالهجر. وغيرها.
المُمارسات التقليديّة المؤذية: وهي الممارسات المجتمعيّة المتعلّقة بأعرافٍ وتقاليدٍ متوارثة لفترة زمنية طويلة. مرتكبو هذه الممارسات يقدّمونها على أنّها أصبحت جزءاً من عاداتهم وتقاليدهم المقبولة ثقافياً واجتماعيّاً. مثل: الزواج المبكّر/زواج القصّر/زواج القاصرات، جرائم الشرف، الزواج الإجباري، وغيرها.
تداخل الأنواع يولد عنفاً اجتماعياً
ووفق هذه التصنيفات فهذه الأنواع تعد متداخلة، وليس بالضرورة أن يحدث كلّ صنف بشكل مستقلّ. فعلى سبيل المثال:
حِرمان المرأة من العمل بالإكراه، هو شكل من أشكال العنف الاقتصادي المبني على النَّوع الاجتماعي، ولكنّه أيضا يشمل عنفا نفسيّا وله ارتباطٌ بممارسات تقليديّة مؤذية.
الأمرُ الآخر، كثيرون في المجتمع الليبيّ، يحصرون العنف، في العنف الجسديّ فقط، ضربا ولكما وتعذيبا. بينما يجهلون أو يتجاهلون بقيّة الأنواع؛ خصوصا العنف النفسيّ، والذي قد يكون أشدّ إيلاما – بعض الأحيان – من العنف الجسدي.
ففي حال سألتَ شخصا ما، هل تعرّضتَ إلى عنفٍ – أسريّ مثلا – فأوّل ما يتبادر إلى ذهنه الضرب، وقد ينفي ذلك، فقط لأنّ أهله لم يضربوه. بينما سيتجاهل أنواع العنف الأخرى.
فهناك أشخاص يتعرّضون له وهم لا يعلمون.
العنفُ القائم على النَّوع الاجتماعي، له علاقة بالدور الاجتماعي للذكر والأنثى، وتصوّر المجتمع لهما ودورهما وعلاقتهما ببعض، كما أنّه مرتبطٌ ارتباطا وثيقا بالهيكليّة الاجتماعية من أعراف وتقاليد قد تكون ظالمة ومجحفة.
الحروب والتهجير والنزوح زاد من حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي
والوضع الحالي الذي تمرّ به البلاد، من حروب متقطّعة وعدم استقرار ونزوح وغياب تطبيق القانون، يزيد من احتماليّة وقوع العنف القائم على النوع الاجْتماعي.
وهذا يتطلّب منا جميعا – أفرادا ومجتمعا ومؤسّسات، أهلية وحكومية ودوليّة – تدابير أكبر للحد منه.
ووفق هذا التصنيف اعتبرت الممارسات ضد المراة الليبية من خطف واغتيال لمنعها من المشاركة في الحياة السياسية او القانونية نوعا من انواع العنف القائم على النَّوع الاجتماعي وقد تناولته المنظمات العالمية والمطالبة بحقوق الانسان بالبحث والمعالجة للحد منه في شكل تصاريح وبيانات تنديد لاي ممارسة في حق المرأة وتعنيفها يفضي إلى خطفها أو اخفائها قسريا او قتلها اغتيالاً.
فبات الحيز العام المتاح للمرأة الليبية للتعبير عن آرائها والاضطلاع بدور فاعل في الحياة السياسية وإعادة البناء بعد انتهاء النزاع يتقلص سريعا
فبعد اختطاف عضو البرلمان، سهام سرقيوة، بعنف من منزلها، تم اغتيال العضو السابق في المجلس الوطني الانتقالي والمدافعة عن حقوق الإنسان والناشطة سلوى بوقعيقيص؛ وقد أبرز مقتلها استمرار تدهور أمن وسلامة الناشطات والمدافعات عن حقوق الإنسان حتى اليوم.