كتاب دُررُ الاقتباس
انتفعت الطبقة المتعلمة في طرابلس من مناخ الحرية النسبي الذي أتاحه صلح (سواني بن يادم) بين الوطنيين والإيطاليين عام 1919. وكان من مظاهر هذه الإفادة أن أنشئ مكتب العرفان – أي مدرسة العرفان – في حوش بن حمادي بسوق الحرارة، وكانت غايته تكوين النشء تكوينًا معتمدًا على اللغة العربية لا الإيطالية.
وهذا الكتاب أنموذج لما كان يدرس في مكتب العرفان، ويستفاد من غلافه أنه مقتبسات جمعها الأستاذ مصطفى ذهني الكعبازي، طبعت عام 1340 (سبتمبر 1921 – أغسطس 1922) وكان قد قدم لها بمقدمة موجزة، وختمها بهذا الفصل بالغ الدلالة على حرص القائمين على هذه المؤسسة على إيقاظ الشعور الوطني في الناشئة على الرغم من أن عنوان الكتاب لا يصرح بذلك.
أتى هذا النهج بعد نحو ثماني سنوات كانت سياسة إيطاليا فيها هي تجاهل الثقافة المحلية، وقد حمل هذا مستشرقا خطيرا هو كارلو آلفونسو ناللينو على أن يندد بسياسة «الطلينة» ويدعو إلى تتخذ إيطاليا سياسة تعليمية مصوغة وفقا لروح معاهدة لوزان 1912 تأخذ ثقافة السكان المحليين بعين الاعتبار تجنبا لردة فعل العنصر العربي ضد إيطاليا.
يرجع الفضل في إنشاء مكتب العرفان بالدرجة الأولى إلى شخصيات ثلاث : الأستاذ إسماعيل كمالي المثقف والمؤرخ، وتاجر بسوق الترك هو السيد سعيد بن جمعة، ووجيه طرابلسي هو السيد محمود أديب المبروك، وكانت هذه المدرسة محل عناية من طبقة الأعيان والتجار ماديا ومعنويا، ومثال ذلك عائلة الفقيه حسن التي لم تقتصر مساهمتها في دعم مكتب العرفان على التبرع بالمال، فتطوع شابان منها هما الأخوان أحمد وعلي الفقيه حسن للتدريس بالمكتب دون أجر استجابة لدعوة إسماعيل كمالي.
وما كاد ينجح الانقلاب الفاشيستي في الاستيلاء على الحكم بروما في أكتوبر 1922 حتى أقفلت سلطة الاحتلال مكتب العرفان.
وقد حفظت لنا الشهادات أسماء بعض من درَسوا في مكتب العرفان فمنهم أحمد بن نبيّه ( أوكلت إليه على عهد الاستقلال نظارة المعارف بولاية طرابلس الغرب وإدارة معهد نصر الدين القمي) والهادي المشيرقي (التاجر الوجيه والعنصر الفاعل في النشاط السياسي الوطني أثناء وبعد الاحتلال الإيطالي) وَعلي المشيرقي وسليمان المشيرقي ومصطفى بن تنتوش ومحمد قنابة ومصطفى الباهي وغيرهم كثير.