كلما دخلتْ أمة لعنتْ أختها
أمين مازن
غلقت الدوائر الحكومية أبوابها في الرابع والعشرين من ديسمبر الجاري إحياءً للذكرى للذكرى التاسعة و الستين للاستقلال الذي اعلن في مثل هذا اليوم من العام الحادي والخمسين من القرن الماضي عقب فراغ الحكومة الانتقالية المشكلة من الجمعية الوطنية من انجاز الدستور والمناداة بالأمير إدريس ملكًا على الدولة الوليدة المتكونة من أقاليم ليبيا الثلاثة برقة طرابلس فزان، تلك البيعة التي حصرت العرش في أبنائه من صلبه تأسيسا على ما تقرر في أول مؤتمر بالخصوص شهدته بلدة غريان و ما جدد عقب خروج ايطاليا مهزومة في الحرب، فقد ظل اليوم المشار إليه و لمدة ثمانية عشرة سنة عيدا رسميا للمملكة المتحدة ثم الموحدة حتى اليوم الاول من سبتمبر 69 عندما أسقط ذلك النظام بواسطة أصغر تنظيم عسكري قاده الملازم معمر القذافي عندما رقي فورا إلى رتبة عقيد و بخطوات و بخطوات أكد أكثر من مراقب أنها ليست مفاجئة للدوائر الغربية بما سارعت به من الإعتراف أولا و جلاء القوات البريطانية و الأمريكية ثانيا في احتفال مهيب أظفى عليه حضور الرئيس عبد الناصر و خطابه الشهير الذي خلع فيه على ذلك الشاب لقب أمين القومية العربية و تزامن ذلك كله مع ارتفاع أسعار النفط و توفر موارد خلقت من ليبيا نقطة تواصل مع حرص غربي على الحيلولة دون عديد المحاولات التي استهدفته لأربعة عقود كاملة ريثما حل به ما حل بالمنطقة العربية في الربيع العربي قبل حقبة كاملة ,2011, حيث عاد عيد الاستقلال إلى الذاكرة و الحديث عن الفترة الملكية و كأنها المنزهة عن أي مخالفة دستورية و ليست التجربة التي بلغ فيها التسيب أقصى درجاته حتى أن سقوط النظام تم في ما يشبه التمثيلية الساخرة جراء التعويل على حماية الاجنبي الذي تخلى في جنح ليل و هو ذات التقليد الذي عول عليه نظام الفاتح، فلا يبقى من دروس التاريخ سوى البرامج التوثيقية المعادة و الخالية من أي شاهد من الشواهد الصادقة و المراجعة الواعية التي تؤمن بأن التسعة و الستين سنة الماضية لم تكن أبدا شرا كلها و لا خيرا كلها خاصة و أن الحقبة الأخيرة بما حفلت به من التجاوزات و الإستفادة و الإفادة و التعويضات السخية و الإقصاءات الممنهجة و احتكار جميع وسائل التوجيه قد فتح أبواب التهرب لكل من يستحق المساءلة، فالحقيقة التي لن يفلح التضليل الإعلامي في إخفائها، إن هذه التجربة الزمنية حفلت بمعرفة يجب أن تصان و تراجع بعيدا عن الحكم المسبق و الإدانة الجاهزة ، و ليس أمامنا معشر الذين عشناها مجتمعة و تعاطينا معها مجتمعة سوى أن نحسن تمثلها حذرا من أن يحق علينا القول الخالد «كلما دخلت أمة لعنة أختها» عسى الله أن يقينا شر ذلك. و يديم علينا نعمة العقل الذي لا يقبل بما سوى الحقيقة و لا شيء غير الحقيقة.