اقترن وجود الإنسان منذ بدايته بالاستفهام؛ إذ تعجبت مخلوقات من هذا الكائن الجديد، ولم خلق، وهل سيكون مدمراً أو معمراً للأرض. ثم صعدت حياة الإنسان نفسه في بيئة من الأسئلة المتتابعة الكثيرة جدا والمتداخلة في أحيان كثيرة، فتساءل عن نفسه وعن الآخرين، ولم يكتف بأن يكون سؤاله خاصاً بل نشره على الملأ، فصار السؤال بشكل يوشك أن يكون دقيقاً قدراً لصيقاً بالإنسان، ينام ويصحو عليه، ويتنفسه، ويحدد علاقة الأشياء به من خلاله، وكان الإنسان كما قال خالقه العظيم أكثر شيء جدلا.
كان السؤال هو الملكة العقلية الأعلى مقاماً في مسيرة البشرية، وقادها في كثير من الأوقات والأزمان والحقب إلى التكيف، كما سبب في أوقات وأزمان أخرى في تصدع إمكانية تكيف البشر في الحياة أولا وفي الوجود ثانيا. إن السؤال أساس العمل والبناء والرخاء والعلم، لكنه كذلك سبب في الحروب والويلات، فعقل الإنسان ليس بمنأى عن الغرور القاتل مثلما لم يكن سجناً لقدرته على المواصلة والتحضر.
إن السؤال عن السؤال كما نعنون زاويتنا هنا هو الإيضاح الجلي عن هذه الحاجة الدائمة للاكتشاف أو التعليل والتحليل في النفس البشرية، وقد وقف كثير من الديكتاتوريين بل والمربين أيضا عند هذا الخطر الذي ينتج عن إنتاج الناس للأسئلة، فوجهوهم باتجاه أسئلة محددة وقوالب جاهزة وأوجدوا لهم الإجابات الشافية الكافية التي تضمن سيطرة السلطان على الإنسان، لكن كل ذلك لم يفلح في الحد من الخروج عن النص والشواهد في تاريخ الأمم لا حصر لها