لِنُدقِق في مسألة الخبز والدقيق
أمين مازن
قررت الجهات المختصة، بحسب وسائل الاعلام، رصد ملياري دولار امريكي لتغطية الاعتمادات المراد فتحها عن طريق المصارف، لاستيراد عدد من السلع الضرورية، و على راسها بالطبع مادة الدقيق، تلك التي ترتَّب على عدم توفرها الارتفاع غير المسبوق في ثمن الرغيف الى الحد الذي تجاوز اكثر دول الجوار ان لم نقل، جميعها حين يتوفر هذا الرغيف، ناهيك عن انه بلغ في بعض الايام حد الانعدام.
لقد أُعيد نبأ المخصصات المالية هذه مرات و مرات، بل و ظهر أكثر من مسؤول يتحدث عبر الفضائيات العامة و الخاصة على السواء، فيما بقى ارتفاع السعر الخاص بهذا الرغيف حيث هو، كما ترتَّب على الازمة المُشار اليها أن سارع عديد المختصين بشرح الظروف التي أدَّت الى إستفحال هذه الازمة و علاقتها بسوء الاداء إزاء سياسة تصنيع الطحين و احتياطات المطاحن، حتى لقد صار في مُكْنَة أي متابع لأراء المواطنين و اصحاب الخبرة في هذه الانشطة ان يلُم بالكثير من المعلومات المتعلقة بهذه الازمة و الظروف التي أدَّت الى استفحالها، بل و عدم الإطمئنان الى نجاعة الحلول المقترحة لها و المحدودة -حسب وسائل الإعلام- في فتح الإعتمادات المتعلقة بالإستيراد، و قد تبيَّن من خلال بعض الإحصائيات التي دأبَ على التحدث بها بعض المختصين ان هذه الازمة التي بلغت ذروتها في السنة الماضية 2015 كانت قد بدأت منذ سنة 2013 عندما بدأت الديون تتراكم على صندوق موازنة الاسعار و تزيد مرة اخرى سنة 2014 بحيث بلغت ذروتها سنة 2015 عندما عجز الصندوق عن دفع ديون المطاحن و لاسيما القطاع الخاص الناشئ علما بأن ديون الشركة الوطنية للمطاحن و الاعلاف المساهمة بلغت ربع مليار دينار أي ما يقارب رأس مال الشركة العامل أذ لولا ان هذه الشركة لها بعض الأنشطة البديلة أو لنقل الرديفة كالأعلاف و الكسكسي لعجزت عن تسديد مرتبات العاملين و الذين يصل عددهم الألفين. كما ان كما ان جميع ما استهلكه الشعب الليبي سنة 2014 و النصف الاول من 2015 لم يُسدد ثمنه أن للمطاحن العامة او الخاصة و بقيمة إجمالية تصل الى مليار دينار، بمعنى ان المبلغ الذي قد يُخصص لإستيراد الدقيق إن قُدِّرَ له ان يُخفف الازمة إلا أنه لن يسلك الاتجاه السليم و لن يحقق مردودا جيدا لعامة الناس، فإستيراد الدقيق بواسطة الخواص قد يطاله عدم الالتزام بالمواصفات عكس الاعتماد على المطاحن بشقيها العام و الخاص. فهذه المطاحن التي يصل عددها الاجمالي إثنين و اربعين مطحناً، ستة منها تتبع شركة الوطنية للمطاحن و الاعلاف بطرابلس و اربعة تتبع شركة المطاحن الوطنية بنغازي و ما بقى للقطاع الخاص المنتشر في البلد بالكامل، و التي تنتج مجتمعة ما يبلغ 2280000 طن من الدقيق في السنة و هي نسبة تساوي 80 من الطاقة التصميمية في حين يبلغ الاستهلاك العام 1120000 طن من الدقيق المدعوم بمعنى ان الطاقة الانتاجية تساوي ضعف الاحتياجات، فلا داعي للإستيراد خاصة و إن رفع الدعم -حسب المختصين- يؤدي الى خفض الاستهلاك بنسبة قُدرت بـ 30 و ان فارق السعر بين الاستيراد و المنتج المحلي يساوي خمسة و عشرون دينار للطن الواحد، مما يستوجب على ما سبق، مراجعة الامر لصالح المجموع، و لا مبرر لما قد يسوقه بعض المستفيدين من توظيف عوايد الاستيراد في تمويل بعض الانشطة، فنسبة عشرة في المائة لو زيدَت يمكن ان توفر المطلوب للإسهام في اي التزام عام، يستدعي المساهمة بشيئ من المال العام و لو على حساب ضروريات الناس، و كم يكون مُجديا لو ينتظم لقاء لأصحاب الشأن ممن لا تحوم حولهم شوائب الفساد للإدلاء بما لديهم في الخصوص.