مائة عام على مولد محمود أمين العالم.. مقالة للكاتب أمين مازن
أحييت الأوساط الثقافية المصرية في الأيام الماضية مرور قرن كامل على مولد المناضل الشهير و المثقف العضوي اللامع محمود أمين العالم، عقب مشوار نضالي و نظري بدأه في منتصف أربعينيات القرن الماضي منطلقاً من كلية الآداب المصرية مُختصاً في الفلسفة، و منخرطاً بذات الوقت في النضال الجامع بين مقاومة الإحتلال البريطاني و الحكم الإستبدادي القائم على التبعية الأجنبية و اضطهاد الطبقة العاملة و تنظيمات المجتمع النقابية، إنه التوجه الذي قادته اللجنة الوطنية المصرية للطلبة و العمال و هي تتصدى لمشروع معاهدة «صدقي-بيفن» الرامي لبقاء الإحتلال البريطاني في ثوب جديد حاول التخفّي تحت ستار التعاون بين الرأسماليتين الغربية و المصرية و شروطها غير المتكافئة كان على رأس مخرجاتها فتح أبواب السجون المصرية لتأوي كل من تحدثه نفسه بالمعارضة على أي وجه و التي كان أشهرها لجنة الفنانين أنصار السلام التي نشرت أشهر عمل شعري ملحمي تحت عنوان «من أب مصري إلى الرئيس ترومان» كتبه الشاعر و المثقف المعروف عبد الرحمن الشرقاوي، أفلح بواسطته أن يهز ضمير العالم، مستعيناً إلى حد كبير بمقاربات الأقلام الجادة بما ألفت من أضواء على ما اصطلح بتسميته بالأدب الملتزم عندما رآى فيه الاستعمار و حلفاؤه دليل اتهام ثابت على كل ذي قلم يقترب منه ليكون موضع حذر أينما كان فلا يرحب بإشراكه على أي مستوى من المستويات و لا سيما عقب سقوط عرش الملك فاروق و تصدي تلك التيارات للمحاولات الرامية إلى الإبقاء على حركة 23 يوليو محدودة الإهتمام داخل الحدود المصرية و ليس الإنطلاق بها لتعبر الحدود فتشمل المحيط ككل و تتخذ من مؤتمر باندونج سنة 55 سبيلاً للتفاعل مع العالم الثالث فتؤيد حركات التحرر و تصطدم بالاستعمار الغربي الذي أذنت شمسه بالغروب ليبدأ الصراع الروسي الأمريكي و تقع الحركة القومية بزعامة مصر الناصرية بين براثن التجاذبات و يتحول الزعماء إلى لاعبين و يصبح الموقف من الثقافة جزءًا من المد و الجزر فيشهد التيار الذي ينتمي إليه العالم أكثر من موقف أقدمت عليه السلطات المصرية شغل أثناء مده محمود العالم أكثر من موقع قيادي شمل الصحافة و المسرح و النشر، أدارها مجتمعة باقتدارٍ ملحوظ و يؤكد خصومه قبل المتماهين معه أنه لم يحقق أي كسب في دخله نتيجة موقعه القيادي، كما لم يغير في قناعاته السياسية و لم يدَّعِ كذلك أن فشله الإنتخابي قد جاء من التزييف الذي يمتد إلى صناديق الاقتراع، و إنما فقط لإحساس السكان بأن المرشح المرضي عنه من السلطة أفيَّد لهم كما استمعت إليه و أنا ألتقيه في أكثر من محفل و أتواصل معه لتأسيس صداقة اعتززت بها أيما اعتزاز أضافت إليّ ما كنت أعرف من خلال كتاباته فحرصت من موقعي على رأس اتحاد كُتّاب ليبيا و شَغْلي المقعد الثاني باتحاد الكُتَّاب العرب إلى جانب السيدين حميد سعيد «العراق» و فخري قعوار «الأردن» على دعوته و مجلته قضايا فكرية، لأكثر من منشط أشهره ندوة العقل العربي بطرابلس، عندما ساهم في جدية امتاز بها عن الجميع و لم يكن له من طلب سوى إعطاء الوقت الكافي لمن لمس لديهم التحسس من حضوره للرد عليه، كي لا تكون الضيافة مدعاة لإعطائه الأولوية عن من سواه، فلم يغادر إلا و هو صديق الجميع، و قد كان عظيم السرور بما لمسه من سعة اطلاع المثقفين الذي التقاهم و عدم تأثرهم بمحنة السجن التي طالت مدة و نوعية، و لم يتردد بعد تلك المناسبة في أن يزيد من تواصله كما كنا نسمع عنه و نزهو و إن لا نستغرب، لقد كان ذلك هو ديدنه إلى أن فارق الحياة منذ ثلاثة عشرة سنة مضت، و كان يومها على أبواب التسعين و لم يزده العمر إلا توقّدا، و تأتي اليوم مائويته الأولى فتلقى من الإهتمام ما يثلج الصدر و يبشر بأن الأمور في المحروسة ما تزال تبشر بما يدفع في اتجاه الأمام و ليرحم الله محمود أمين العالم الأستاذ و الصديق و الأنسان.