مخطط التنمية الجديد للصين يجلب المزيد من فرص التعاون للعالم
خاص فبراير
بقلم القائم بأعمال السفارة الصينية لدى ليبيا “وانغ تشيمين”
يقترب عام 2020 من نهايته. إنه عام غير عادي للغاية فيه يسرع تطور التغييرات غير المسبوقة منذ مائة سنة على خلفية جائحة كوفيد-19، وتتقلب الاضطرابات الإقليمية والدولية واحدة تلو الأخرى، ويعاني الاقتصاد العالمي من ركود وتقلص حاد، وتطارد سؤال “إلى أين ستذهب العولمة” عقول الناس مرة أخرى.
لا يعرف البطل الحقيقي إلا في الشدائد.
على رغم من العديد من الفوضى والشكوك في عام 2020، إلا أن الصين ساهمت بقوة استقرار وتظهر الهدوء الذي يجب أن تتمتع به كبلد عظيم ذي ودائع تاريخية وثقافية عميقة.
لا تزال الصين تمثل حجر الصابورة للاقتصاد العالمي، حيث تحتل الصدارة في احتواء الجائحة وتمضي قدما في استئناف العمل والإنتاج بشكل شامل فيما تصبح أول اقتصاد رئيسي يحقق نموًا اقتصاديًا إيجابيًا بعد الوباء، وكما هو الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي سيحقق النمو الإيجابي هذا العام حسب توقعات صندوق النقد الدولي.
وتعدّ الصين نموذجًا للتعاون في مكافحة الجائحة، وتشارك خبراتها في مكافحة الوباء، وتقدم مساعدات لأكثر من 150 دولة ومنظمة دولية، بما في ذلك ليبيا، وتدفع التعاون في أبحاث وتطوير الأدوية واللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد، وتعد بتقديم اللقاحات كمنتج عام للعالم.
منذ بعض الوقت، انعقد اجتماع ملفت للانتباه في بكين، إذ أن الجلسة الكاملة الخامسة للجنة المركزية التاسعة عشرة للحزب الشيوعي الصيني استعرضت وأقرت “مقترحات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بشأن صياغة الخطة الخمسية الرابعة عشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية والأهداف الطويلة المدى بحلول عام 2035″، التي حددت الأهداف الرئيسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في السنوات الخمس المقبلة، ورسمت مخططًا لتحقيق التحديث الاشتراكي من حيث الأساس بحلول عام 2035.
يمكننا أن نفهم المغزى الأساسي لهذا الاجتماع من ثلاثة “تنمية جديدة” الأول هو مرحلة التنمية الجديدة.
بعد أكثر من 40 عامًا من اتباع الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، قد تجاوزت فئة متوسطة الدخل في الصين 400 مليون نسمة، واستقر الإنتاج السنوي للحبوب عند أكثر من 650 مليون طن لمدة خمس سنوات متتالية، وتم انتشال جميع فقراء الريف من الفقر وفق المعايير السارية، ويغطي التأمين الطبي الأساسي أكثر من 1.3 مليار نسمة، ومن المتوقع تجاوز الناتج المحلي الإجمالي السنوي 100 تريليون يوان بحلول عام 2020.
في عام 2021 الذي يصادف الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، ستنجز الصين بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل، وعلى أساس ذلك، ستنطلق مسيرة جديدة لبناء دولة اشتراكية حديثة على نحو شامل، وتسعى جاهدة لتحقيق الهدف المئوي الثاني، أي بناء الصين لتصبح دولة اشتراكية حديثة قوية على نحو شامل بحلول عام 2049 الذي يصادف الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.
والثاني هو مفهوم التنمية الجديد.
يعد التناقض الرئيسي في المجتمع الصيني الحالي هو التناقض بين حاجة الشعب المتزايدة إلى حياة أفضل والتنمية غير المتوازنة وغير الكافية.
وسيبرز هذا التناقض مع دخول المرحلة الجديدة من التنمية.
وتعزيز التنمية عالية الجودة هو الأساس والمفتاح لحل جميع المشاكل. في عام 2015 ، طرحت الصين مفهوم التنمية المتمثل في الابتكار والتنسيق والأخضر والانفتاح والمشاركة.
في الوقت الحاضر، قد دخل الاقتصاد الصيني مرحلة تنمية عالية الجودة.
التمسك بالمحور حول الناس، والتمسك بمفهوم التنمية الجديد، والتمسك بتعميق الإصلاح والانفتاح، والتمسك بمفهوم النظام، تشكل هذه “التمسكات الخمسة” مبادئ مهمة يجب على الصين الالتزام بها خلال فترة “الخطة الخمسية الرابعة عشرة”.
الثالث هو نمط التنمية الجديد.
وأكد الاجتماع على الحاجة إلى تسريع بناء نمط تنمية جديد فيه تكون الدورة المحلية الهيئة الرئيسية وتعزز الدورات المزدوجة المحلية والدولية بعضها البعض.
هذا قرار استراتيجي تم اتخاذه وفقًا للمرحلة والبيئة والظروف الخاصة بالتنمية الصينية.
فمن ناحية، تراجع زخم الدورة الدولية وتصاعدت الحمائية والأحادية، وتواجه العولمة الاقتصادية تحديات كبيرة.
ومن ناحية أخرى، يبلغ عدد سكان الصين 1.4 مليار نسمة، وتجاوز نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 10000 دولار أمريكي، وأصبحت أكبر سوق استهلاكية وأكثرها احتمالا في العالم مع وجود مجال ضخم للنمو. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن نمط التنمية الجديد ليس بأي حال من الأحوال دورة محلية مغلقة، بل هو دورة مزدوجة محلية ودولية أكثر انفتاحًا، والذي لا يتمسك بتوسيع الطلب المحلي فقط، بل يلتزم بمستوى أعلى من الانفتاح أيضا.
يقول المثل الصيني،”لا يكون الربيع بزهرة واحدة بل بتفتح جميع الزهور”.
الصين تسعى دائما إلى المنفعة المتبادلة والتنمية المشتركة بما يستفيد العالم بأسره من ثمار التنمية. منذ وقت ليس ببعيد، حضر الرئيس الصيني شي جين بينغ الاجتماع الثاني عشر لقادة بريكس، والاجتماع غير الرسمي السابع والعشرين لقادة منظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ، والقمة الخامسة عشرة لقادة مجموعة العشرين، حيث طرح سلسلة من المقترحات بشأن أساليب المجتمع الدولي في تنسيق مكافحة الجائحة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتشكيل النظام الدولي في حقبة ما بعد الوباء، وتعزيز الحوكمة الاقتصادية العالمية.
كما أكد الرئيس شي أنه نظرا لاندماج اقتصاد الصين بعمق في الاقتصاد العالمي، ترحب الصين بجميع الأطراف للمشاركة في فرص التنمية الجديدة، وتستعد للتعايش والتطور مع جميع البلدان على أساس الاحترام المتبادل والمساواة والمنفعة المتبادلة. في ظل نمط التنمية الجديد ، سيتم تحفيز إمكانات السوق الصينية بالكامل بما يخلق المزيد من الطلب على دول العالم، وستفتح الصين أبوابها بشكل أكبر لمشاركة فرص التنمية مع دول العالم، وسيستمر التعاون الخارجي الصيني في التعمق وتحقيق المنفعة المتبادلة والفوز المشترك مع دول العالم.
تولي الصين اهتماما بالغا في تطوير علاقات الصداقة والتعاون مع ليبيا.
منذ تفشي جائحة كوفيد-19 هذا العام، قدمت الصين حكومةً ومجتمعا مدنيا إلى ليبيا عدة دفعات من المساعدات لمكافحة الوباء.
ويسرنا أن نرى أنه منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، استأنفت الأطراف المعنية الحوار السياسي برعاية الأمم المتحدة، وبدأت جولة جديدة من الجهود لتشكيل سلطة تنفيذية جديدة وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية. ونتطلع إلى توصل جميع الأطراف إلى توافق في وقت مبكر بما يحقق تسوية شاملة للملف الليبي واستعادة السلام والاستقرار في البلاد، وإنهاء معاناة الشعب.
قبل عام 2011، كان حجم استثمارات الشركات الصينية في ليبيا ضخمًا، ولا يزال العديد من الأصدقاء الليبيين يعتزون بمشروعات السكك الحديدية والإسكان والنفط للشركات الصينية في ليبيا.
أثق بأن مخطط التنمية الجديد للصين والزخم السياسي الجديد لليبيا سيشكلان فرصًا جديدة للتعاون المستقبلي بين البلدين.
إن الصين مستعدة للعودة إلى ليبيا في أقرب وقت ممكن لاستكمال المشاريع المتوقفة، والمشاركة الإيجابية في إعادة البناء الاقتصادي والاجتماعي في ليبيا، واستئناف التعاون في مختلف المجالات بين البلدين بما يحقق التنمية والازدهار المشتركين للبلدين.