
لقد وقع ما حذرنا منه مراراً وتكرارً ، و بالرغم من أن كثيراً مما ورد في بيان مصرف ليبيا المركزي الصادر هذا اليوم ، يعتبر معلوماً لدى الكثيرين ، إلا أنه يعتبر إعلان وتحذير بأن القادم سيكون أسوأ على الاقتصاد الليبي والمواطن البسيط .
تشوهات مسّت أساسات الاقتصاد الكلي ، عندما تصل نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الاجمالي 125% ،
وعندما يتجاوز الانفاق العام اجمالي الدخل بنسبة 165% وعندما يعاني الاقتصاد من عجز في الميزانية العامة وعجز في ميزان المدفوعات «او مايعرف بالفجوتين» ، عندها يكون الاقتصاد في أزمة حقيقية خطيرة .
وعندما يكون العجز في إيرادات النقد الأجنبي خلال الربع الأول من عام 2025 حوالي 4.6 مليار دولار ؛ مما يندر بالمزيد من التدهور في الأوضاع الاقتصادية وأن المصرف المركزي لن يتمكن من الدفاع عن سعر صرف الدينار الليبي وتعرضه للمزيد من التخفيض .
الاقتصاد الليبي مهدد بالدخول في دوامة التضخم ذي الحدين و العجز ، وتعثر الاستدامة المالية للدولة ، وقد تتوقف الحكومة عن أعمالها «اقفال الحكومة» ، حيث لم يعد دخل النفط كافٍ لسداد المرتبات المدفوعة من الخزانة العامة ، بعد الانخفاض الحاد في أسعار النفط الخام .
أمام هذه الأوضاع غير المسبوقة لا خيار أمام متصدري المشهد ، ومجلس النواب ، إلا التخلي عن التجاذبات السياسية ، و اتخاد جملة من الاجراءات العاجلة لإنقاذ حاضر ومستقبل الاقتصاد الليبي ، والحيلولة دون تدهور مستوى معيشة المواطنين ، وذلك على النحو التالي :
اولا : تكليف حكومة إنقاذ مصغرة واحدة على كافة التراب الليبي ، توقف الهدر والانفلات القائم في الانفاق العام و تتحمل مسولية اعداد وتنفيذ برنامج للاصلاح الاقتصادي والمالي ، يعرض على مجلس النواب ويصدر بقانون .
ثانيا : اقرار ميزانية تقشفية عامة للدولة ، قبل منتصف العام المالي 2025 ، وفي حدود الموارد المتاحة والطاقة الاستيعابية للاقتصاد الوطني .
ثالثاً : أول ما يطبق ، برنامج الإصلاح والإنقاذ على موسسات الحكومة نفسها ، بتوحيد الموسسات السيادية المنقسمة توحيدا حقيقيا ، يجعلها قابلة للمساءلة والمتابعة .
رابعاً : تقليص والغاء واعادة هيكلة الكتير من الوحدات الإدارية المستحدثة «وزارات ، سفارات ، موسسات وهيئات عامة ، واجهزة» ، وتخفيض عدد العاملين بها .
خامساً : اعادة ترتيب اولويات الانفاق التنموي و البحث عن مصادر لتمويله خارج الميزانية العامة و اصلاح الدعم ومكافحة تهريب المحروقات ونشاطات غسل الأموال .
سادساً : يلتزم المصرف المركزي بعدم اقراض الحكومة او تمويل أية نفقات غير مدرجة في الميزانية العامة ، وان يعمل على الحد من زيادة عرض النقود ، وان يحسن استخدام سياسة سعر الصرف ، وعدم استخدام هذه السياسة لمعالجة نتايج سياسات الانفاق العام غير الكفوءة ، وإصلاح السياسات المصرفية ، وممارسة ادوات السياسة النقدية المتاحة له ، على المصرف المركزي أن يتوقف عن زعزعة استقرار سعر الصرف ، وان يدرك ان تعديل سعر الصرف لن يحل مشكلة الاقتصاد الليبي غير المنظم .
سابعاً : إخضاع ايرادات تصدير النفط الخام والغاز للمراجعة المصاحبة والتدقيق وغل يد الموسسة الوطنية للنفط في التصرف في ايرادات النفط وتوريدها كاملة لمصرف ليبيا المركزي بشفافية تامة وفي المواعيد المحددة لها .
ثامناً : تجميع وتوحيد كافة الارصدة والودائع ، المقومة بالنقد الاجنبي المتاحة لدى كافة مؤسسات الدولة« المؤسسة الليبية للاستثمار ، المحفظة طويلة المدى ، المصرف الليبي الخارجي ، صندوق الانماء الاقتصادي ، وغيرها من المؤسسات الاخرى التي لديها موارد بالنقد الاجنبي» بهدف حمايتها وحسن ادارتها ، بحيث توضع هذه الاموال تحت تصرف جهة واحدة ، تسمى لجنة الاستقرار المالي ، برآسة مصرف ليبيا المركزي ، لمعالجة المختنقات التي قد تواجه الدولة الليبية وتهدد مستقبلها ، وللرجوع إليها لدعم استقرار سعر صرف الدينار الليبي ، وذلك إلى حين استقرار الأوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد .
برنامج الإنقاذ المطلوب ، ستكون له تكلفة اقتصادية واجتماعية لا ينبغي ان يتحملها المواطن لوحده والفئات الهشة ، وعلى حكومة الإنقاذ المقترحة تحمل مسؤلياتها كاملة لتقليص الانفاق العام وإيقاف اوجه الفساد والغاء الكثير من اوجه الصرف التي تم استحداثها والاكتفاء بتقديم الخدمات العامة الأساسية وتوفير الأمن ، وحماية الحدود ، والغاء الوحدات الإدارية المستحدثة والمزدوجة ، والعمل على تنمية الإيرادات السيادية غير النفطية «الضرائب والرسوم الجمركية» وتحصيل ايرادات بيع المحروقات في الداخل كاملة وتوريد ارباح وفوائض نشاطات شركات الاتصالات والشركات العامة إلى حساب الإيراد العام لدى الخزانة، ان الفئات الهشة من المجتمع يجب ان توفر لها الحماية الاجتماعية اللازمة للحيلولة دون وقوعها تحت خط الفقر . وان تعكف حكومة الإنقاذ والمؤسسات المعنية و كافة الجهات ذات العلاقة «التشريعية والتنفيذية» والاستشارية ، على اعداد رؤية لمستقبل الاقتصاد الليبي تستهدف اعادة هيكلته لتنويع مصادر الدخل والتخلص من هيمنة قطاع النفط على النشاط الاقتصادي على المدى الطويل .