نجاح مصدق تكتب.. مابين اليابسة والماء
كلمات
هناك دائما خيار اخر غير المتوقع ياتي مخالفا لاحتمالاتنا ومعاكسا في احيان كثيرة لنا لا نتطرق اليه او نبعده خوفا منه لكنه يأتي
ليلة البارحة كانت ليلة عصيبة مؤلمة الى حد كبير اصوات النحيب والبكاء تطرق اذاننا الحزن لف الحي وغيم على راسه وسواد الليل اختلط بسواد الحزن ووجعه اصوات المارة في الشارع متداخلة وخطاهم عجلة وكان زائر جاء على غير الموعد واربك المشهد
انه مالك ذاك الفتى الذي لم يتجاوز العشرين من عمره وسيم المظهر ذو شعر مميز وملامح دقيقة المتقد شجاعة حسن المظهر والتائه في حضرة الحياة يزوره الموت بالامس وياخده في عجالة يسكنه بين الاقوام النائمة طويلا ويمضي
مالك الذي اعادته دموع امه وخوفها من قارب كان متجها ليعبر البحر لضفة اخرى يعتقد هو ومن فيه انه مكانا اكثر امنا لاحلامهم وعبور يهب الحياة وان خالفت الامواج مركبهم وجاءت باقدار لا يشتهيها
مالك الذي اتناه اصدقائه عن( الحرقة)قبل يوم واحد من وفاته واستجاب لعدد مهول من مكالماتهم التي تخبره عن سقوط امه في الشارع بعد ان قرأت رسالة كان قد تركها لها يخبرها فيها انه مهاجر عبر البحر ولن يعود ويطلب الصفح والسماح تاركا امه واخته واصدقائه وذكرياته ومنزله بعد ان أعيته الحيلة وحاصره الضياع عاد كما ذهب لامال في جيبه ولا مشروع يسنده ولا بيئة نظيفة يتنفس هواءها بلا ذخان مختلط برواىح السم ورفاق لا وفاء لهم
رغم كل الدوافع التي اجبرته للمغادرة رغم الخيبات والالم رغم الضيق وسوء الحال الذي يكابده فتى مراهق لا يجد في شوارع هذه البلاد الا الموت يترصده من جميع الجهات فتى فقد والده صغيرا وغيب المرض اخيه خارج البلاد معالجا عله يعود بساق وقدم جديدين كان قد فقدهما ذات يوم شبيه بيوم اخيه وام اعيتها الايام وطبعت على جبينها الشقاء وشقيقه عاد منكسرا حزينا خائفا تاركا احلامه في الضفة الاخرى حاملا تشتته وقلقه وهروبه في حقيبة عاد لحضن امه الذي فاز في رهان وخسر في رهان اخر مالك الى الابد
وجد مالك بالامس مع الساعة الثاسعة مقتولا بطريقة بشعة بالقرب من سياج طريق المطار المكان المفضل له (بوسكو) السريع مرمي على الناصية غائب بلاعودة نائم بلا رجوع
لم تكن تعلم امه ولاهو بان مابين اليابسة والماء خيار ثالث قائم يلاحق اليافعين الحالمين يسرق شموعهم ويجعل الليل ابدي لا نور فيه ذاك المباغث الذي يأتي على كل حال هنا او في عرض البحر ليقول بان النهاية واحدة
اي وطن هذا نهرب منه للبحر فيعيدنا لارضه قتلى؟ يدفعنا للموت هروبا منه وحين نعجز عن مغادرته يقيم جنائزنا بلا رحمة بلا دموع بلا حلم صغير غادر قبل ان يكتمل .