الرئيسيةرأي

منزلة بين منزلتين

الخوف والمحاباة وقعت بينهما حرية الصحافة في يومها الذي أُقر ليكون مناسبة عالمية كل عام لأهم قيمة وبيئة حاضنة للعمل الصحفي وهي الحرية.
يبدو أن 3 مايو حدث تحول فعلياً إلى تحصيل حاصل أشبه بصورة نمطية لاتتجاوز بعض المناشير التي تحمل مضامين محدودة في غياب تام للالتزام بالواجبات والمسؤوليات قبل المطالبة بالحقوق ليصبح الأمر منطقياً، أما الشعار الذي اتخذته اليونيسكو هذا العام للاحتفاء باليوم العالمي لحرية الصحافة رصد وقوع قيمة الحرية الصحفية بين منزلتين هما “الخوف والمحاباة” باعتبارهما مدمران للعمل الصحفي بحسب رؤية المنظمة، ووفقا لنص الإعلان العام المصاحب لميلاد هذا اليوم لايمكن تحقيق حرية للصحافة إلا من خلال بيئة مناسبة تكون “حرة ومستقلة” تقوم أساساً على “التعددية”.
قد نتفق جميعاً أن التعددية ظهرياً تبدو موجودة فوفرة القنوات والمنصات الإلكترونية ظاهرة للعيان ولاتحتاج أدلة لإثبات وجودها!، أما مسألة الشفافية ومصادر التمويل وهوية المُلاك أمر معدوم كلياً وهذه إشكالية أخرى أكثر تعقيداً، الأمر يستوجب وجود شروط أولية لتكون البيئة مناسبة للحديث عن حرية الصحافة كمطلب حقوقي يفترض أن يكون متوازياً مع الواجبات، فالحديث عن وجود الحرية اعتقد أنه أمر لايمكن الجزم بوجوده كحد مطلق أو نكرانه بنفس المستوى بسبب عدم اعتماد نظام الدولة وشكلها أسوة ببقية دول العالم التي تحتفل بهذا اليوم، فالإعلام غالباً مايكون الوجه الحقيقي لنوع نظام الحكم في أي بلد، أما فيما يتعلق بالاستقلالية تظل المسألة أكثر تشويشاً بالنسبة للمشهد الإعلامي الليبي، الذي أخذ منحى آخر منذ عام 2012 وسيل القرارات المتتالية التي ابتلعت -الإعلام العام-، وفي غياب ركن آخر من أركان الحرية كمطلب لتكتمل المعادلة منطقياً على أقل تقدير، فنوع الملكية ومصادر التمويل التي ابتلعت بالمثل-الإعلام الخاص- أمران آخران متممان لأركان الشفافية، فهل هو خوف أم مجاملة الخ! ولتحقيق هذا الهدف السامي في ظاهره تكون الحرية حسب مفهومها المهني التي تعني المساحة الحقيقية التي يتمتع بها الصحفي فكراً وكتابة وليس تلك التي تعلنها القوانين في نصوصها، وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان فلكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل ، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية، مع التشديد أن مفهوم الحرية لاينفصل عن المسؤولية ،عند الصحفي لتسبق بذلك الحرية .
وبحسب الفيلسوف الوجودي الفرنسي “جان بول سارتر أن الكاتب الملتزم والمثقف هو الذي يجد نفسه دائما في مواجهة السلطة ، والسلطة هنا لاتقتصر على قوانين الدولة أو الأنظمة الشمولية، فلسلطة المال- التمويل- هي أكبر فاعل في هذا الحقل. لذلك قد يكون التضييق على الصحافة التي تسعى للحرية هو المنع من الوصول إلى المعلومات بأي شكل من الأشكال، ربما بسبب سيطرة المال السياسي على وسائل الإعلام يتم تغيب القضايا المهمة مثل الانتخابات والتصويت على مقترح مسودة الدستور، فيما يتم إغراق الرأي العام في نزاعات أيديولوجية ومسائل أخرى.
وكما قيل قديماً “وإن انتصرت الصحافة في معركة الاعتراف الرسمي والاجتماعي لكنها لم تتخلص من ترسيم حدودها ولاتسييج ميدانها ومازال ينظر إليها سوسيولوجيا بأنها شبه مهنة الخطيئة فهي مهنة تمشي بالنميمة وهتك الأسرار” ..
يبدو أن الخوف والمجاملة قياساً بما ذُكر حقيقة قائمة، لكن تظل الإشكالية الأهم هي رؤية أبناء المهنة وأصحاب المجال من مختلف المستويات الممارسين والأكاديميين أو المهتمين بالشؤون الحقوقية، فهل يعود اليوم العالمي لحرية الصحافة مجدداً مُحمل بأثقال أخرى!.
للكاتب الليبي: خالد الهنشيري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى