تفكير..
الطريقة التي تناول بها “إدوارد سعيد” موضوع الاستشراق وكيف ينظر الغرب إلى الشرق ، في حد ذاته يشكل منهجاً يستحق الدراسة، فالتفصيل الذي قدمه حول هذه النظرة بحسب العلاقات التاريخية التي ارتبطت بالاستعمار بشكل مباشر مع التقارب الجغرافي أيضا.. حيث الاختلاف بين نظرة بريطانيا وإيطاليا وفرنسا.. إلى جانب ألمانيا التي لم يكن لديها إرث استعماري في الشرق، أيضا أمريكا الدولة الغير استعمارية قياسا بالدول المذكورة تختلف تماما فهي نظرة مادية صرفة.
المثير في هذا الموضوع أن “إدوارد سعيد” اختصر معنى الاستشراق كحالة دراسية بأنها تعتمد على دراسة (الخطاب) الذي هو في الأساس أحد أشكال الممارسة الاجتماعية، بمعنى دراسة كل الوثائق ذات العلاقة بأي مجتمع مهما كانت قيمتها فهي مفتاح من مفاتيح كل التركيبات والتعقيدات التي كونت المجتمعات البشرية بمختلف أنواعها، والأكثر قيمة أنه اختار الأدوات المنهجية التي تناسب دراسته بالشكل الذي يحتاجه هو شخصيا ليجمع كل هذا الكم المعرفي في كتابه الاستشراق..
كما يشير إلى نقطة جوهرية هي وجوب التمييز بين المعرفة البحثية والمعرفة السياسية، ومع ذلك يظل الشرط الحاسم الذي تصطدم به كل ألوان المعرفة المنتجة في الغرب المعاصر هو أن تكون منزهة عن السياسة بمعنى أن تكون علمية أكاديمية محايدة تعلو على مستوى المعتقدات المذهبية الحزبية أو ضيقة الآفق، فمثلاً معرفة الشاعر شكسبير معرفة غير سياسية ، أمامعرفة الصين المعاصرة أو الاتحاد السوفيتي معرفة سياسية.
هذا الطرح يسوق إلى تساؤلات كثيرة ومسؤوليات كبيرة!. حول كيف ستكون صورة مجتمعنا الذي عشنا فيه على وجه الخصوص لدى الأجيال القادمة في حال اكتفينا فقط بدراسة الخطاب الإعلامي الراهن ؟