حافة العشق.. كذب الإعلام
الناجي الحربي
كثيرٌ من الكذابين المهرة يُطلق عليهم صفة «النحاحين» لامعانهم في الكذب وتفننهم فيه لدرجة أنهم اخترعوا تخصصات صغيرة وتفاصيل دقيقة.. فصرنا نسمع مرادفات جمّة للكذب العام والخاص مثل «طجاج» و «طقراب» و «نحاح» و ميّاز» و «راعي الأشقر» دليل السرعة والخوارق وعدم الحياء في الكذب.
ولو ظهر «مسيلمة» في هذا الزمن لما أكل معهم عيشًا ولكان نصيبه من الكذب ضئيلًا.. ولسارع بتسليم مقاليد النبوءة التي ادعاها عن طيب خاطر وبلا منافسة.. بل وسيكون مثار سخريتهم لبساطة وتفاهة كذباته ..
ففي إعلامنا أصبح للكذب أبطالٌ وفرسانٌ .. وصارت لقنوات التلفزيون ولأثير الإذاعات معاهد عليا وجامعات ذائعة الصيت في الكذب .. حيث تستضيف أساتذة «النح» و«الطقربة» الذين تحصلوا على شهادات بدرجة رفيعة معترف بها دوليًّا في الكذب السهل الممتنع .. وهذه الفئة تتمتع بشروط أهمها «صحة الوجه»، وأن يكون قد رضع الكذب منذ الطفولة .. وأن لا يتنفس أثناء الكذب .. وأن يجتاز الكذب الأبيض قبل بلوغ سن الرشد .. وأن يكون قد قام بتقديم بحث تخرج عن «طجة» متقنة ليست مطروقة من قبل .. وأن يكون مختصًا منذ السنة الأولى في أحد أقسام الكلية التي تخرج فيها .. فهناك قسم الكذبة الصغيرة .. وهو سهل المقرّرات، ولهذا فالنجاح فيه متيسر ولا يحتاج إلى كثير عناء .. أما القسم الصعب فهو قسم «الدق القوي» ورغم كثرة طلابه وخريجيه إلاّ أن براعتهم وحذقهم ليست في المستوى المتوقع ولا المطلوب.. مع ملاحظة أن جميع أقسام كلية «النح» التي تخرّج فيها هؤلاء يتلقى طلابها في مواد «الطج العام» باحتياجات السوق وذلك بمدرج قنواتنا حيث يلتقون كل ليلة يدلقون علينا كذبهم المتوالي ويتنافسون في قدراتهم ويطرحون كل جديد عن فنون تخصصهم ..
عادة ًما يستهل الكذاب حديثه على شاشة التلفزيون أو خلف ميكرفون الإذاعة بعبارات تشّد الانتباه وتأخذ بالألباب وتستحوذ على العواطف كمادة مخدرة للسامعين والمشاهدين .. ثم يندفعون في سرد كذبهم حتى يكاد الآخرون أن يلغوا من قواميسهم معلوماتهم شيئًا يسمى «الكذب» ويستبدلونه «بحسن النيّة» وتنقلب معايير الحقائق الغريبة عندهم فتصبح سهلة التصديق .. ظنًا منهم أن المتلقي لا يعرف حقائقهم الغائبة عنهم..
كارثة بلادنا في كذب الإعلام .. وطقربة ضيوفه كمحللين سياسيين ونشطاء مجتمع مدني وخبراء استراتيجيين وغيرهم يتكرّرون كل ليلة على شاشات التلفزيون .. ودونما استثناء .. ما أكثر القنوات والإذاعات التي تمتهن النح، و تستضيف الميّازه ..!!