نقد: عبدالله الماية
هذه قراءة في رواية (شيخ الظل) التي صدرت حديثاً للكاتب: البدري الشريف المناعي. عن دار النخبة بمصر .. وجاءت في مئة وسبعة وتسعين صفحة من الحجم المتوسط..
بعيداً عن تكثيف الحوادث والوقائع المتشابهة، وعلى متكئ التناصّ المبدئي المجاز، نجد ان الكاتب يستنطق الحال ويجيبه الواقع بتلفيقية ممكنة واكتفاء غنيٍّ أيضاً، سنحاول ما أمكن الوقوف عند بعض ما نطقت به الرواية صراحة، وما أوحت به ضمناً. في هذا النص نقف في حيرة، حيث نواجه صعوبة الفصل ما بين الكاتب والراوي.. وقد ظهرت لنا المفاجأة البرهانية في موضعين بارزين أولهما عندما اكتشف الباشمهندس كما يعرفه أهل الحي دون أن تحدوه رغبة في الاكتشاف وعلى غير توقّع أنه قد فقد ظله نهائياً، وأن أشعة الشمس تمر عبر جسده الشفاف دون أن تترك أثراً لظل له كبقية الاجسام غير الشفّافة من حوله، مما جعله يقف بانشداه وتساؤل أمام هذا الاكتشاف المحيّر المتحدي لقوانين الضوء العلمية!!، والموضع الثاني عندما اقتيد (علي الدرويش) الى غرفة التعذيب لانتزاع اعترافه بما نسب اليه عشوائياً من تهمة، وما يقصده من وراء تكراره لجملته الشهير بها ( كل في فلك يسبحون ) ومن يقف خلفه ويدعمه في هذه المؤامرة، فشلّت يد الجلاد ورجله وسقط على الارض وتوقف عاجزاً عن الضرب، فاعترف قبله جميع الحضور بكراماته التي قد سمعوا بها عنه في السابق ولم يأخذونها بمأخذ الجد، قبل أن يعترف هو.. وسارتْ أحداثُ الرواية بين شد وجذب بين ليونة ويبس، وتنوعتْ الآراء في مضامينها عن التصوّف الاسلامي كعلاقة حرّة ومستمرة ( غير اختيارية ) منذ القرن الثالث الهجري للتعرّف على الله والتقرّب منه بإسكانه في القلب ليدوم حضوره بإيمان مبصر(الخالق قريبٌ منّا ونحن مبتعدين عنه)، وان التصوف قد أخذ طابع التقليد الأعمى السطحي الذي لا يمنح فرصة المناجاة الحقيقية والتواصل الروحي مع الذات الالهية بالفعل، وهذا شيء لا يتحقق لكل من هب ودب مهما تعلق بذلك وأبدى ميوله غير الواعية نحوه، حيث اللاوعي هو ما يسميه الصوفيون الباطن..
لقد تمكن الكاتب من القبض على أول خيوط الموضوع وابتدأ السرد الذي استمر متماسكاً مترابطاً حتى نهاية النص دون الشعور بانكسارات أو توقف عمدي مخل بسياقات النص وانسيابيته، أو اقحام غير مبرر لصور ومشاهدات دخيلة غير صحيحة، فابتكر مشاهده بدقة ورسم ادوار شخوصه وحراكهم بعناية، مثلما اللغة بنت السماع فالكتابة بنت اللغة، دون أن نغفل بنية هذه المتسلسلة وتراتبيتها: الشيء يصنع المعنى والمعنى يشكّل اللغة واللغة مكمن الافكار..
مهما يكن فالتصوّف حالة غير طبيعية، ولا يتفق بشأنها حد الانسجام الا أصحابُها الذين بلغوا بعد المعايشة مرتبة من صفاء الفطرة وطهارة الفكر، وهذه الحالة تتأتى للقلة القليلة من الناس ان جاءتْ على طبيعتها ونقائها، لكن الاغلبية تدّعي هذه الحالة وتستمر في ادعائها بغلو دون توقف أو في تقليد وتشبّه ببعض المتصوّفة المرموقين في هذه الطرق الصوفية كمريدين أقْصاء، وتبقى دائماً خارج صميم الحالة الحقة الجادة، وهذا يعود الى عدم توفر القابلية الفطرية لديهم وضيق الافق وانسداد الرؤيا، وليس الى ضعف التعلّق بالحالة أو سلامة اختيارها، ومن هنا يعوق النفاذ والتمثل، لم يفت الراوي التنبيه الى أن الدروشة وحالة الجذب الصوفي هي حالة نأي عن متابعة الواقع الأهم والمخايرة بين ما ينفع وما يضر.. ولا يجب أن يعيش الانسان بلا عقل كبقية خلائق الله في ملكوته في زمن تعقدتْ فيه مهام العقل واصبح إعمال العقل أكثر ضرورة وحتمية للمجتمعات المتخلفة خاصة، نجد هذا بجلاء عند السجال الذي دار بين الصديقين الغربيين أثناء المحاضرة التي القاها الدكتور هنري الملقب بالدرويش الالماني والذي أشار الى ما قاله الفيلسوف العقلاني والعالم الرياضي برتراند رسل : ( ان وحدة المتصوف مع رجل العلم تشكل أعلى مكانة يمكن انجازها في عالم الفكر) وتعليق الدكتور نيكولاس الذي يرى أن العقل هو من يخدم الانسانية ويقدم لها الاكتشافات العلمية، معتبراً التصوف مسألة شخصية بحثة لاتهم الا صاحبها.. فالتصادم غير المباشر لبعض الافكار التي وردت بين ثنايا النص، كأسئلة تأتي على صور أشباه أسئلة، أي غير صريحة وايماءات غير واضحة!، حيث الكمال للسؤال أما الاجابات فغالباً تأتي ناقصة، فهل ينقسم المجتمع الى صنفين أناس متعبدة زاهدة تعيش لتمضي سادرة في مجاهل الغيب دون يقين، في خلوة لا تلوي على شيء من أمور الدنيا وشروط البقاء فيها بعزة وكرامة، وأناس تنتهج سبل العلم والمعرفة الطبيعية من أجل الاكتشاف والاختراعات التقنية لغرض البناء والنهوض وتقديم خدمات العلم للإنسانية جمعاء أسوة ببقية الأمم لتحقق نديتها مع الآخرين.
يتم التشكيك في سلوك الشيخ عثمان ونزاهته الذي لا يعرف الكلل وينتحل الدروشة ويتظاهر بالانجذاب عند ثلاثة مواضع بارزة على امتداد الرواية، الموضع الأول يتمثل في هذا الموقف (كان أحد رجال الاعمال قد تحدث مع شيخ الظل على انفراد وطلب منه أن يستلم بنفسه تبرعات المسؤولين، لأنهم يقدمون مبالغاً كبيرة، ومع احترامهم للشيخ عثمان الا أنهم يريدون التأكد بأن شيخ الظل قد استلمها ” ص 171″). الشيخ عثمان وقد أخذ على عاتقه مهمة التبشير بالصوفي الجديد، الذي ظهرت أولى كراماته هذه الأيام، انه شخصية محورية بالدرجة الاولى وهو من صنع أغلب أحداث الرواية رغم وجود البطل الجوهري الرمز ألا وهو (شيخ الظل) والذي لا يزيد في أهميته كثيراً عن الشيخ عثمان البطل الأول مكرر ان صحت التسمية.. الشيخ عثمان الذي يتابع المجريات ويتفحص الاوضاع بعين مختلفة عن الجميع باحثاً له عن مدخل ينفد منه لينال نصيبه ومكافأته على الجهود التي يبذلها لتوفير الهدايا والعطايا لرصيد الزاوية كعامل على هذه التمويل، فهو لا يتردد في التوجه الى أي مكان يمكنه أن ينال منه شيئاً ينضاف الى رصيد الزاوية، رافضاً الشهرة او القبول بالمراكز البارزة البراقة في الوسط الاجتماعي، لكنه يبحث عن مفاصل الاموال أين تكمن، وخاصة عندما استهوت الشيخ عثمان كرامة الدراهم لدى الحلاج الذي كان يمد يده في الهواء وير
نقلاً عن موقع: طيوب