عمليات التجميل،، بين عدم الرضى وهوس التغيير والتميز
لم يكن يعتقد الطبيب الهندي (سومروتا) الذي قام في القرن الثامن بعملية ترقيع جلد لأحد مرضاه أن هذا الأمر سوف يصبح ثورة فيما بعد في طب التجميل وأن العالم سوف يلجأ رجاله ونساؤه كبارًا وصغارًا إلى عمليات التجميل بسبب عدم الرضاء على منظر أنف أو مستوى انتفاخ الشفتين أو بسبب بروز ذقن أو عدم تحديد فك أو توريد خدين أو شفايف وغيره ولأن العالم مصابة بعدوى التقليد إضافة إلى عدم الرضاء ولأن متطلبات الحياة ومقاييس الجمال مع التطور والانفتاح أخذت مسارات مختلفة وأصبحت ذات معايير وأبعاد غير ما كانت عليه ومستوى إرضاء النفس والسعى إلى الحصول على أعلى درجات القبول والتميز لجأت الكثير من السيدات إلى عمليات التجميل وبشكل كبير في السنوات الأخيرة وبدأ الأمر ملاحظ وبين وبشكل لافت في الشوارع والمحال والأعمال والمستشفيات وغيره وعن هذا الأمر خرجنا لميدان الشهداء …
التقينا بسيدة أربعينية كانت ترتدي نظارة وتتوشح بسواد يغطي رأسها سألناها عن مقاييس الجمال ورأيها في عمليات التجميل أجابت .
إنها أصبحت منشرة جدًا؛ وأنها ربما إذا ما توفر معها المال لا ترى مانعًا من إجراء عملية شد بالخيوط للوجه لإخفاء التجاعيد أو ربط للبطن تقول إن العالم تطور وعلينا أن نواكبه بكل سلاسة لأن الأمر يفرض نفسه وسيصبح أمراً عادياً جداً كالأكل والشرب.
تركناها ونحن نتوجه لشارع عمر المختار لنصادف شابًا ثلاثيني العمر يدعى محمد أجاب عندما سألناه عن انتشار عمليات التجميل ورأيه قال :
بأن عمليات التجميل مقبولة إذا كان الأمر لأجل تصحيح مشوه أو لعلاج حروق أو تسوية شيء واضح عيبه أما دون ذلك هو أمر نفعي وكسبي لأطباء التجميل بالدرجة الأولى وحالة مرضية لمن يلجاؤون لتغيير أشكالهم ليبدو أجمل ومؤكد منبعه عدم الرضى لا اشجعه ولا اعتبره جيداً لأنه غير حقيقي وتبدو السيدة مصطنعة وتركيزها على الجانب الشكلي لا الروحي والخلقي.
اما الدكتورة وجدان باشا آغا طبيبة نفسية مختصة قالت عندما سألناها :
يلجأ كثيرٌ من النَّاس إلى عمليات التجميل كي يكسب رضا الآخرين وودهم، هذا لا يعني أن جميع من يرغبون في عمليات التجميل يعانون من اضطرابات نفسية، ولكن هناك فئة من النَّاس تعاني من عدم الرضا وبنفسه وتظن أنها قبيحة المنظر لذلك تبحث عن أي شيء لمعالجة هذا النقص، أو أي عمل يجعلها أجمل من قبل الآخرين، أو يخفي عيوبها، هناك فئة يطلق عليهم طبياً مُصابون بحالة «إدمان الجراحات التجميلية».
ومن مجموعة هؤلاء المدمنين على العمليات التجميلية فئة تُعد من المُعانين من إحدى حالات الاضطرابات النفسية لفصيلة الوسواس القهري، وهي الحالة النفسية التي تُدعى، ما يُمكن ترجمته، «اضطراب اعتقاد أن شكل الجسم غير سوي» Body dysmorphic disorder.
هؤلاء يمتلكون ظاهرًا طبيعيًا جداً ولا يوجد في أجسادهم عيوب كبيرة؛ ولكن يعتقدون بأنهم مشوهون ودائما يخفون تلك المنطقة عن الآخرين
أما الإختصاصية رقية اللافي قالت :
عن الحالة نفسها فإن بعض المُصابين بهذه الحالة النفسية يعمدون إلى الإصرار بعناد على الطلب المكثف للعناية والإجراءات الطبية التجميلية التي لا داعي لها، وغالباً لا تحقَّق تلك العمليات لهم رضا نفسيًا، بل ربما تجعل حالهم أسوأ.
إن هذه العمليات والمعالجات تحمل بذاتها مخاطر المضاعفات المهمة كالالتهابات والوفيات.
والشخص المُصاب بهذه الحالة لا يُقيم عادة وزناً أو أهمية لاحتمالات حصول مضاعفات خطيرة على صحته في سبيل إجراء تعديلات على شكله.
وأمام أحد مراكز التجميل المعروفة في طرابلس التقينا شابة عشرينية كانت تبدو محمرة الوجنتين وكأن شيئاً ما أصاب وجهها اقتربنا منها لنسألها عن التجميل وهل وسبق وأن فكرت أو أجرت عملية في هذا المركز قالت :
أنا منذ دقائق فقط كنتُ أجري عملية نفخ شفتين «بوتكس»؛ وتوريد للخدين أحبُ التجميل والله جميل يحب الجمال؛ واتمنى أن اغير اي شيء لا يعجبني حتى أصل إلى الشكل الذي يرضيني.
سألتها هل يرافقها أحدٌ للمركز أجابت أمي هي الأخرى بالداخل تجري عملية تجميل وعندما ابعتها بسؤال ألستِ صغيرة عن مثل هذه العمليات؟؛ قالت لا أبدًا أن أحبُ أن اكون انثى مميزة؛ والانثى يجب أن تهتم بجمالها منذ الصغر
في اتصال مع إحدى طبيبات التجميل الدكتوره ملاك : سألتها عن تزايد الإقبال على عمليات التجميل وانتشار العيادات والمراكز لطب التجميل.
قالت العالم يتطور ونحن لسنا بمنأى عنه والعالم يتجه بقوة للطب التجميلي لأسباب عدة أغلبها للوصول إلى الرضى والقبول أما لتصحيح معوج أو مشوه أو تكبير صغير أو تصغير كبير أو لإخفاء علامات الشيخوخة أو للحصول على ابتسامة مميزة طبعًا طب التجميل كل يوم فيه جديد وتقنيات جديدة ونحن في ليبيا نسعى للمواكبة والأصلح ولكن يبقى الإقبال من عدمه رهن الرغبة والامكانات المهم أن نقدم الافضل والنتائج الاحسن للحالة.
هكذا ومع اختلاف وجهات النظر ومع الإقبال من عدمه والتأكيد أو رفضه تبقي عمليات التجميل هوس لكثير من الفتيات والسيدات والشباب ايضا وانتشارها أمر لايمكن اخفاءه مهما كانت الأسباب والدوافع .
فهوس عمليات التجميل قد جعل المهتمين به يعيشون بين الوهم والحقيقة وفي بعض الاحيان باتت هذه الحالة تدفع الإنسان إلى حالة من التيه والضياع، لذلك فعالم اليوم يحتاج إلى أناس يودون بعضهم بعضاً بأجمل ما يمكن، بدلا من النَّاس الذين يحفرون الحفر لبعضهم بعض ويستهزؤون ببعضهم بعض! ولدنا لنضحك معا وليس لنضحك على بعضنا بعض.
العالم يحتاج إلى كثير من الرجال الذين يدعمون النساء من خلال التصالح مع حقيقتهم وبالعكس .. والعالم يحتاج إلى أناس يحتفون بأجسادهم تمامًا بالطريقة التي خلقها الله ….بعيدًا عن التشوهات الفكرية.