إني لأحمل للكرام ودادا.. للكاتب الليبي أمين مازن
إنضم السيد بشير الرابطي لقائمة الذين نشروا ما دوَّنوه عن تجربتهم العُمرية و التي بدأت بالنسبة له عن مولد و نشأة بمحلّة الظهرة في مدينة طرابلس و ذلك في العام التاسع و الثلاثين بعد التسعمائة و الألف من القرن الماضي فيبدأ من كتتاتيب الحي، و انتهت بكلية العلوم، تخللها حضور لافت في الحياة العامة تمثّل في النشاط الطلابي القائم على رفض الواقع السياسي و ما ساده من التوجهات المُتحفضة، أهّلته لأن يكون صاحب أثر ملحوظ في الحركة الطلابية و الرياضية و بالجملة النقابية و تحديداً في صفوفها الأولى مما عرّضه في بعض المراحل للسجن و المحاكمة حين شملت غيره بالطبع، فوجد من يدافع و يساند و يتعاطف، لم يبخس من قاموا به حقهم كما ذَكر و كما تشهد اصطفافاته على أكثر من صعيد و لا سيما انتخابات مجلس النواب في معركتي 1964-56 عندما رجّحَ بدائرة الظهرة من رأى جدوى ترجيح كفّته بتحقيق الفوز الذي شهد لنزاهته أكثر من طرف، و الذي أكده لاحقاً فوز البشير نفسه في انتخابات مجلس الأمة الإتحادي عندما أُجريت في عهد الفاتح، و عززها الرابطي بخوض معركة رئاسة المجلس المذكور و التي رأيناه يستفيد منها في المساهمة بالمعارضة الليبية المهاجرة التي كثيراً ما وظّفها لتسهيل مصاعب الكثيرين ممن طالما قصدوه و وجدوا فيه الصون الصادق و الذي أثبته ذلك الاستقلال الذي خُصَّ به و هو يُقدِم على العودة جرّاء مرض رفيقة عمره الميئوس من شفائها، و كذا الأعداد الكبيرة من المُعَزِّين الذين داوموا على الحضور أياماً و أيام ما أثار غيرة أكثر من طرف كما فصّلَ و وثّقَ بالصور بكتابه الجميل و الذي لم يذكر فيه سوى ما يقوِّي اللُحمة و يدفع نحو التواصل، و قد كان من حسن حظه أن العودة قد جاءت و الربيع العربي على الأبواب فكان أن غربت شمس العهد الذي شهد اشتداد عُوده و تأكُّد حضوره و أخيرا ليكتب تجربته معه و يقارنه ببعض من سبقه أكثر من مرة، و إن لم يَخفِ على القارئ المُتبصّر ما اعترى النص من الإنتقائية، و قد سُعدت على الصعيد الشخصي بقراءة حكاية الرابطي الجميلة مع ليبيا و عاصمتها طرابلس التي عشنا بها أجمل أيام العمر، و كانت محلة الظهرة إحدى الأحياء الآسِرة بما هي عليه من الترابط القوي بين المتساكنين حتى لقد اصطلح الناس على تسميتها «كوريا» عندما أُسس نادي الظهرة الذي اشتهر بالمخاصمة القوية مع الدوائر الحكومية حتى اضطرت لحل هيئته الإدارية ذات مرة، و كان ما يثلج الصدر هو ذلك الترابط القوي و الإصرار على عدم الإفراط أو التفريط، فبقى دوماً ذلك الرابط الذي انتصر على دواعي اليأس و التيئيس، و الإعتزاز الدائم بشرف المحاولة، و الثقة بأن أجمل الأيام لم نعشها بعد، و أجمل الكلام لم نقله بعد، كما عبّرَ الشاعر المناضل ناظم حكمت، و التحية، كل التحية لمن عرفنا من ذلك الجيل الذي كان الرابطي و لنا معه التواصل و التقدبر المتبادل، منذ أن استظهرنا قول شاعرنا الشارف:
إني لأحمل للكٍرام ودادا ** جاد الزمان بقُربِهم أو عادى
و ليطل الله من ذُكِرَ من الأحياء و يرحم كذلك من أُنصِفَ أو نُسيَّ من الأموات.