السيد العيساوي بوخنجر “الجزء الثاني.. للكاتب الليبي أمين مازن
أمين مازن
ففي تلك الفترة المهمة قضى السيد العيساوي بوخنجر الكثير من وقته مشاركاً في الاجتماعات الرسمية من ناحية ومكافحاً في اللقاءات التي طالما حضرها قصداً أو صدفة من ناحية أخرى، و قد اختار له سكناً في ناحية باب بن غشير حيث المستشفى المركزي وحيث الأراضي الفضاء التي آوى إليها القادمون من خارج المدينة عندما دبّروا مساكنهم حسب التساهيل كما قامت السلطات وعدد من الميسورين في وقتٍ لاحق ببذل ما تيسّر من الجهود لتبقى مشاركاته في أعمال المجلس شأن الكثير من نظرائه شاهدة على حجم تعاونه ونوعية اهتماماته، و قد كان له موقف مميز تجاه اللاجئين السياسيين التونسيين حين خَصّهم بحديث ليس بالقصير في غضون سؤالٍ تقدم به مذكِّراً بالمواقف الإيجابية التي لقيها المهاجرون الليبيون عندما اضطرتهم الظروف إلى النزوح لتونس هروباً من بطش الإيطاليين وملاحقتهم التي لم تتوقف عن متابعتهم لولا التضامن الشعبي الذي لم يكترث كثيراً بالتفاهم الإيطالي الفرنسي، نعم إنه كان في موقفه ذاك يرمي إلى التذكير بما كابده شخصياً في منفاه خاصةً عندما استنجد ببيت الشعر القائل الا يعرف الشوق إلا من يكابده ** و لا الصبابة إلا من يعانيهاب إلا أن رئيس المجلس السيد الطاهر العقبي الذي لم يشأ أن يترك للسيد العيساوي فرصة الحديث على النحو الذي لم تغب منه رائحة الذات؛ فيشارك العيساوي ثناءه على التونسيين وجهودهم واللاجئين ومحنتهم إلا أنه ينبه إلى أن الموضوع قد يخرج عن اختصاص المجلس ما دامت السياسة الخارجية من مشمولات الاتحاد، فتم الاحتياط يومئذ من ترك أي ثغرة يمكن أن يدخل منها المُتربّصون بالمجلس ولم يكونوا يومئذ قِلّة ويبقى ما قيل وثيقة من الوثائق المشتركة وما تحمله من أضواء كاشفة عن المرحلة، وعلى أي حال فقد جرت العادة أن كل معين لا يدين بالفضل إلا للمسؤول الذي تم التعيين في عهده، أما الجديد فلا فضل له.
كان العمر قد تقدم بسي العيساوي مع انتهاء مدة الهيئة التشريعية الثانية التي جاءت به لمجلس طرابلس التشريعي وليس من المستبعد أن يكون دوره قد ضؤل في قبائل ورفلة إذ نمت أجيال جديدة ومراكز نفوذ جديدة ولم تعد العلاقات القديمة لتسمح بالبقاء على ذات المنوال، فقد أدى الإنفاق غير المسبوق على النفط إلى جلب موارد جديدة أدت بالضرورة إلى علاقات عمل جديدة إن ننسى لا ننسى انسحاب الكثير من الذين استقطبهم الجنوب الليبي من قبائل ورفلة للعمل بولاية فزان إلى المسارعة بالإنسحاب إلى الشمال لمجرد أن لاح في الأفق أن فزان ستُلغى، وأكد أكثر من خبير بترولي يعمل بالشركات التي انخرطت في أعمال التنقيب وتأكدت من جود البترول في الجنوب الليبي أن السائل الأسود لن يتدفق إلا مع حدوث تغيير في نظام ليبيا الإداري وبالذات الولايات والتي كانت حتى ذلك التاريخ مدموغة بالنفوذ القبلي.