تجارة السلاح.. منظمات حقوق الإنسان يجب وضع الأسلحة تحت السيطرة
مع توجه الاقتصاد الدولي نحو العولمة منذ عقود تزايد حجم نشاط الاقتصاديات غير المشروعة خاصة في مجال تجارة السلاح الأمر الذي رفع معدل الجريمة العابرة للحدود إلى مستويات قياسية.
وبات الاتجار غير المشروع بالأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة والذخيرة بات يشيع الدمار في كل مكان؛ فالغوغائيون يبثون بها الرعب أينما حلو. والمتمردون يهاجمون المدنيين أو حفظة السلام. وأباطرة المخدرات يقتلون عشوائياً موظفي إنفاذ القوانين أو كل من يتدخل في تجارتهم غير المشروعة. والعصابات تخطف قوافل المساعدة الإنسانية. وفي كافة القارات تشكل الأسلحة الصغيرة غير الخاضعة للرقابة مشكلة دائمة.
فملف تجارة الأسلحة من أهم الملفات العالمية حساسيةً ويحتاج للخضوع للعديد من النُظم و المعايير بعيداً عن أي منافسة جيوسياسية وعن أى مصالح سياسية أو اقتصادية هذه التجارة العالمية التي وجدت أقرب الطرق لها وخاصة في ظل الثورات والنزاعات التي تشهدها عديد المناطق العالمية.
كما أشارات تقارير الأمم المتحدة فلا توجد اليوم معايير عالمية لمراقبة التجارة الدولية على لأسلحة التقليدية ولو من باب المساعدة على حماية حقوق الإنسان. ولا تزال معظم الحكومات تسمح بالتجارة اللامسؤولة بالأسلحة والذخائر وغيرها من المعدات العسكرية والشرطية، التي تسببت بالبؤس والمجازر للسكان في العديد من البلدان.
وتُظهر أبحاث منظمة العفو الدولية أن أغلبية انتهاكات حقوق الإنسان تُرتكب باستخدام الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة وغيرها من المعدات
فالأسلحة الصغيرة رخيصة وخفيفة يسهل حملها ونقلها وإخفاؤها. إن مجرد تراكم الأسلحة الصغيرة قد لا يتسبب في نشوب النزاع الذي تستخدم فيه هذه الأسلحة، ولكن تكديسها المفرط وتوافرها الواسع النطاق يشيع التوتر. وعندئذ يصبح العنف أكثر فتكا ويدوم لفترة أطول، ويتنامى الشعور بعدم الأمان، وهذا بدوره يؤدي إلى تزايد الطلب على الأسلحة.
إن معظم النزاعات الراهنة يدور القتال فيها أساسا بالأسلحة الصغيرة، التي تستخدم على نطاق واسع في النزاع بين الدول. وهذه الأسلحة هي المفضلة في الحروب الأهلية وفي الإرهاب، والجريمة المنظمة، وحرب العصابات.
فقد أعلن «معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام»، فى أحدث تقاريره بأن حجم تجارة الأسلحة في العالم قد ازداد خلال الفترة من عام 2015 إلى عام 2019 الماضي بنسبة 5ر5 %، مقارنة بالفترة من عام 2010 إلى عام 2014، لافتا إلى أن أن الولايات المتحدة وروسيا تأتيان على رأس قائمة الدول المصدرة للأسلحة ، على الرغم من أن حجم مبيعات روسيا للأسلحة خلال الخمس سنوات الأخيرة انخفض بنسبة 18 % مقارنة بالفترة من عام 2010 إلى عام 2014.
وأوضح المعهد – في سياق تقرير بثه على موقعه الإلكتروني – أن صادرات الولايات المتحدة من الأسلحة زادت بنسبة 23 % ، مما رفع حصتها في إجمالي صادرات الأسلحة العالمية إلى 36 %، وأنه خلال الفترة من عام 2015 إلى عام 2019 كان إجمالي صادرات الأسلحة الأمريكية أعلى بنسبة 76 % من صادرات روسيا، ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم، فيما تصدر الولايات المتحدة أسلحتها إلى 96 دولة.
وكشف التقرير أيضاً أن نصف صادرات الولايات المتحدة من الأسلحة – خلال الخمس سنوات الأخيرة – كانت للشرق الأوسط؛ ونصفها للمملكة العربية السعودية، التي تعتبر أكبر مستورد للأسلحة في العالم – وفقا للتقرير.وأشار إلى زيادة الطلب على الطائرات العسكرية الأمريكية المتطورة وبشكل خاص في أوروبا واستراليا واليابان وتايوان.وأوضح التقرير – أن صادرات روسيا من الأسلحة تمثل 21 % من إجمالي الصادرات العالمية، وهي أقل بنسبة 6 % عن الفترة من عام 2010 إلى عام 2014 ، كما انخفضت صادرات روسيا إلى الهند – الشريك الرئيس لروسيا في مجال تجارة الأسلحة – بنسبة 47 %.
وتُظهر أبحاث منظمة العفو الدولية أن أغلبية انتهاكات حقوق الإنسان تُرتكب باستخدام الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة وغيرها من المعدات
وكي يكون بالإمكان حماية حقوق الإنسان يتعين على الحكومات منع الحصول على الأسلحة بسهولة، وتنظيم استخداماتها القانونية بشكل صارم.
وللمساعدة على وقف عمليات نقل الأسلحة اللامسؤولة على الصعيد العالمي، انضمت منظمة العفو الدولية إلى «مؤسسة أوكسفام الدولية» وشبكة التحرك الدولي بخصوص الأسلحة الصغيرة «إيناسا» لإطلاق «حملة الحد من الأسلحة»
وتدعو حملة الحد من الأسلحة إلى وضع معاهدة عالمية لتجارة الأسلحة، من شأنها تحديد قواعد صارمة للعمليات الدولية لنقل الأسلحة، وإخضاع موردي الأسلحة وتجارها الذين لا يتحلون بروح المسؤولية إلى المساءلة و إن ثمة حاجة ماسة إلى وجود «قاعدة ذهبية» في معاهدة تجارة الأسلحة، تشترط على الحكومات وقف أية عملية لنقل الأسلحة إذا انطوت على خطر حقيقي بأن تلك الأسلحة يمكن أن تستخدم لارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي , الجدير بالذكر أن فكرة معاهدة تجارة السلاح التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة أخيرا تعود إلى التسعينات من القرن الماضي
ولهذا تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال العام الماضي أول معاهدة لتنظيم تجارة الأسلحة التقليدية البالغ حجمها 80 مليار دولار سنوياً.
وصوّتت الجمعية بأغلبية 154 صوتاً مقابل 3 أصوات منها كوريا الشمالية. وامتنعت 23 دولة أخرى عن التصويت من بينها روسيا.
وكانت الاعتراضات التي أبدتها كلاً من إيران وكوريا الشمالية في مؤتمر في مقر الأمم المتحدة لوضع مسوّدة المعاهدة قد حالت دون الوصول إلى الإجماع المطلوب لإقرار المعاهدة كما ورد في العديد من الوكالات الإخبارية و الصحافة الأمريكية .
أما القوى الكبرى التي تعد من أكبر مصنعي الأسلحة، مثل الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا والصين وبريطانيا، قد سعت للتوصل إلى معاهدة لا تهدد صناعتها العسكرية، حيث رفضت الولايات المتحدة إدخال الذخيرة إلى النص الرئيسي، وقالت إنه من الصعب جدا مراقبة تجارتها، بينما عارضت الصين تشديد الشروط على «هدايا» الأسلحة التي غالبا ما تقدمها لحلفائها دون أي أموال بالمقابل.
وتهدف المعاهدة إلى إجبار الدول على وضع ضوابط على تصدير الأسلحة, كما تفرض على الدول قبل بيع الأسلحة تقييم ما إذا كانت ستستخدم في عمليات إبادة أو جرائم حرب أو إذا كانت ستستخدم من قبل إرهابيين أو عصابات جريمة منظمة.
ويغطي نصّ المعاهدة، معاهدة الحظر الشامل على التجارب النووية 1996، مختلف أنواع الأسلحة التقليدية من الدبابات والعربات القتالية المدرعة، والأنظمة المدفعية، والطائرات المقاتلة، والمروحيات القتالية، والسفن الحربية، والصواريخ، ومنصات إطلاق الصواريخ وكذلك الأسلحة الصغيرة والخفيفة.
ويبقى لكل بلد بعد ذلك أن يوقع المعاهدة ويبرمها على أن تدخل حيز التنفيذ بعد إبرام 50 بلداً لها، ما يمكن أن يستغرق سنتين بحسب مصدر دبلوماسي.
وذكرت صحيفة (نيويورك تايمز) أنه رغم أن تنفيذ هذه الاتفاقية أمامه سنوات وأنها تفتقر لآلية تنفيذية محددة، فإن مؤيديها يقولون إن من شأنها إجبار الدول المصدرة لهذه الأسلحة على مراجعة جميع حساباتها
ويضيف المؤيدون أن المعاهدة -وعلى سبيل المثال- ستجعل من الصعب على روسيا القول إن بيعها الأسلحة لسين من الدول قانوني بموجب القانون الدولي.
وتقول منظمات حقوق الإنسان إن الوقت قد حان لوضع الأسلحة التقليدية تحت السيطرة، وإن ما تم هو مجرد بداية ستساعد في خفض العنف المسلح والنزاعات.
وتضيف هذه المنظمات بأنه ورغم أن المعاهدة ما زالت بعيدة عن أن تصبح قانونا دوليا، فإن معاييرها ستُستخدم فورا كموجهات سياسية وأخلاقية.
والمعاهدة تقتضي -حتى تدخل حيز التنفيذ- التوقيع عليها من قبل خمسين دولة. ويتوقع الدبلوماسيون أن يتم ذلك في غضون سنتين إلى ثلاث سنوات، وهي فترة قصيرة بالنسبة لمعاهدة دولية0 ورغم من صعوبة تقدير القيمة الفعلية لتجارة الأسلحة غير المشروعة إلا أنها تقدر بنحو 60 مليار دولار سنويا أي ما نسبته من 10 إلى 20 بالمئة من القيمة الإجمالية لتجارة السلاح في السوق العالمية والنفقات العسكرية للدول التي تتجاوز قيمتها 1.5 تريليون دولار في العام. أما قيمة المبيعات من الأسلحة الخفيفة فتبلغ نحو 8 مليارات وتشمل تجارة المسدسات والبنادق والرشاشات، والذخيرة.
ووفقا للهيئات الدولية التي تعنى بانتشار السلاح في العالم فإن ما يزيد على 600 مليون قطعة سلاح صغير منتشرة في العالم.
كما أن هناك نحو 1150 شركة لتصنيع الأسلحة في أكثر من 98 بلدا تعكف على تصنيع الأسلحة الخفيفة والذخيرة وأن حوالي نصف مليون شخص يموتون سنويا بسبب خلافات مسلحة، مما يعني ضحية كل دقيقة.
ولكن يبقى الغريب هو أمر السلاح وسوقه الذى يكاد يكون مرتبط ارتباطا عضويا بتصريحات السياسيين فى معظم مناطق التوترفى العالم ،بل و ثمة علاقة تكاد تكون واضحة للعيان بين الطلقات النارية والتصاريح النارية، التي تدخل الى قلوب التجار فرحا يكاد اي مراقب ان يجزم معه بوجود مصالح مشتركة، وان خفية بين تجار الاسلحة من جهة وتجار السياسة من جهة ثانية.
حركة الاتجار بالاسلحة عرضا وطلبا، وحتى «بورصة» اسعارها تواكبان الوضع السياسي في البلاد مواكبة لصيقة… ترتفع وتنخفض تبعا لحدة السجال السياسي وانخفاضه، وهو ما يعكس خوف الناس من المخبّأ لهم.
والطلب على الاسلحة والذخائر عند توتر الاوضاع السياسية في البلد يتحول طلبا عشوائيا، إذ تترجم قلة البضاعة المتوافرة في الاسواق ارتفاعا جنونيا في أسعار القطع الموجودة. ومع ذلك يتوجه الكثير الى شراء السلاح، فتصبح اسعار الموجود منه، مشابهة لسوق مزاد علني يزايد المشترون فيه على بعضهم البعض في قيمة المدفوع بالقطع على ندرتها.
ورغم العلاقة الجدلية بين تجار السلاح ، وبين السياسيين وتصاريحهم النارية، ثمة حكاية أخرى لمصادر السلاح، وضخه بطرق «سحرية» في السوق السوداء، وهي حكاية مرتبطة بتبدل المناخات الدولية والاقليمية وتغيير موازين القوى في المنطقةكما ورد فى العديد من الوكالات
ومع أن تهريب الأسلحة والتجارة غير المشروعة ينشطان على نطاق واسع في مناطق الاضطراب السياسي كما سبق الأشارة إلا أن ذلك لا يقتصر على تلك المناطق فقط. فهناك شركات دولية معروفة تعمل في هذا المجال، ولكن في مقابل هذا الوجه الرسمي يقابله هناك وجه مظلم غير رسمي لتجار سلاح يعملون في بعض الأحيان في النور وفي كثير من الأحيان في الظل.
فأخطر ما في السلاح عندما يرفع في وجه رجل أمن، وعندما يصيب رجل أمن أو موظف دولة أو مواطن بسيط يقتل به فى وضح النهار. ونحن أمام هذا الانتشار الفارط للسلاح، فالدولة معنية بحسم هذا الملف الحساس والمرعب، ولابد من مواجهته بسياسات حازمة وصارمة ونافذة، توقف انتشار السلاح، وتحدُّ من أي تداعيات أمنية وسياسية خطيرة لانتشاره واستعماله.