بين الرادار والخط الأحمر !.. أسيل التومي
لم نتفق بعد على ماذا نتضامن !.. بل لم نتفق بعد على سياسة واحدة ، لم نتفق بعد ان الخروج عن الصف الوطني والتفرد بسياسات كيانيه لن يجر الا الي المزيد من الاندحار ، فمصيبة عدم هذا الاتفاق على الذين يشعرون ان الوفاق الضروري تمنعه سياسات متعنتة إقليمية لا علاقة لها بالغرائز و النزوع للسيطرة و القيادة ،هو ما يجعل الخط الأحمر يضغط على الجميع ويقترب من الجميع .
على من لديهم منبع النفط ومن يمتلكون نفوذه ، فالكل مستصرخ لقوي الصراع الدولي لتقترب بدورها من ليبيا حيث المشاركة بالحل لا يمكن الا باستبيان- الحصص- و حتي تلك القوي ليست الآن في معترك ان تفكر في ليبيا فلديها من مشاكلها الدولية موطئ قدم ، فالسياسات الدولية بدأت ترتسم في الواقع ان التفكير يأتي كخطوة بعد القتال وليس قبل ، وان التقسيم يأتي قبل الاقتسام .
ورغم ذلك ، رغم اتضاح كل المعارف ، وبعد ان أصبحت هذه المعارف كلها بحوزة أصحاب القرار ، لم يتوافقوا بعد على سياسة يجابهون بها كل المخاطر ، لضرورة انكماش المشكلات وسط هذا الزعزعة التي ربما يرد صدها علينا من دول الجوار ، سواء كان الصدى اقتصادي او امني ـ .
فالنكران الوحيد الغير جائز في هذه المرحلة ان دول النفط العربي هي فقط المعنية اولا و أخرا باستمرار الصراع فيها او أخد المصالح منها ان كانت هادئة ، ولعلنا في الموقف الأول كدولة ليبية متنازعة القيادة ، فلا تري بالمقابل لهواجسها الضاغطة الا اضطراب من هنا ومن هناك ، بينما ما هو موجود في اليد وهو القدرة المالية التي تنفع في إلغاء الحروب الاجتماعية التي تجلب الحروب السياسية ، وبين اننا لا نقدر على منع ما هو مكتوب .
ان غياب التوافق لسياسة واحدة سيؤدي الي مضاعفات مستقبلية لعل أخطرها ، استمرار عربدت الجميع في البلاد باللباس العسكري ، استمرار هدر المال العام عن طريق إقصائه عن دوره الأساسي وهو الاستثمار ، وهذه ساحة محكومة بالاضطراب ، حيث المال لا يهرب فقط بل يتبخر من شدة الغليان في أجواء الاضطراب ، أيضا استمرار فقدان الأمن الاجتماعي الذي يتحقق بالمشاريع التكاملية التي لا تعجز البلاد بمواردها عن تمويلها، لا بالمد بالمزيد من سلسلة «المنح» عديمة المردود.
ان الدولة الليبية بهذا المنظور وبغياب التوافق الواحد و التضامن المفقود ، معذورة في توجهاتها الي مزيد من –التعاند و الهواجس- فالحكومة حين تعلن عن فداحة الخطر الهاجم من الغرب و الشرق على السواء وتحذر منه ، ما كانت لتستبد بها مثل هذه الهواجس ، ومثل هذا الارتقاء في تحديد المصير و الاتفاق هو فقط من سيدعم جهود «المواطن» الذي لا يهمه من كل هذا الا بلاد تهدأ فيها النفوس ،و تقدر فيها الأقوات، دون اللجوء الي أي حد من التنازلات المشروطة ، فكل احتمالات استئناف للتفاوض قد تم دون إتمام ، فالشعور العام «ورادار» المواطن الليبي أصبح شديد الحساسية لذبذبات الحل العسكري التي لم تستطع إخفائها ،على انعدام اليقين بما ستأتي به الأيام المقبلة .