حرمان إنسان من حقه في التنقل والحركة لا يكون إلا بسند قانوني في الحدود الذي رسمها المشرع وفقا لأحكام قانون الإجراءات الجنائية، أو قوانين أخري مثل قانون الإجراءات الجنائية العسكري والمخدرات والإرهاب، أما أن تصدر تعليمات دون إذن النيابة العامة المختصة، ومن أسند إليه اختصاصها، للقبض على شخص بحجة أنه ارتكب فعل إجرامي خطير (مثال – إرهابي أو تاجر مخدرات)، فأنه يعد من قبيل الاحتجاز التعسفي الذي يوجب مسائلة من أصدر التعليمات ومن نفذها جنائيا، وهو في نظر القانون مجرماً لانتهاكه أحكام القانون العقابي، ومساسه بحقه في الحرية الشخصية.
لذلك على مأموري الضبط القضائي وأعضاء جهاز النيابة العامة المشرفين عليهم، احترام الحرية الشخصية والالتزام بأحكام القانون لضمان صحة الإجراءات وبالتالي الأدلة المستمدة منها، بما يكفل حق المجتمع في العقاب، بمعني أن التهاون في الالتزام بالضوابط الإجرائية المتعلقة بالقبض والتفتيش وغيرهما، يؤدى إلى بطلان الأدلة، مما يدفع القضاء إلى الحكم بالبراءة لعدم كفاية الأدلة.
كما يجب التأكيد على ان المساس بحق الإنسان في الحرية يخول المحتجز حتى وهو داخل الاحتجاز أن يكلف محامي لرفع دعوي للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي أصابه فقط لحرمانه من حريته، فكيف إذا اقترن بذلك فعل التعذيب من ضرب وإساءة وإهانة بأي صورة من الصور؟
وللاحتجاز التعسفي صور متعددة، الصورة الشائعة أن يقوم بذلك شخص أو مجموعة إجرامية، وفي هذه الحالة يسأل الفاعل أو الفاعلين، عن جريمتين: أولا- إخفاء قسري المقرر لها عقوبة السجن إذا نسب إليه فعل خطف إنساناً أو حجزه أو حبسه أو حرمه على أي وجه من حريته الشخصية بالقوة أو بالتهديد أو بالخداع. وشددت العقوبة إلى السجن مدة لا يقل حدها الأدنى عن سبع سنوات إذا ارتكب الفعل ضد الأصول أو الفروع أو الزوج.
ثانيا- يسأل عن جريمة التعذيب إذا أقترن الاحتجاز التعسفي الذي تحققت به عناصر جريمة الإخفاء القسري، ويعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات كل من قام بنفسه أو أمر غيره بإلحاق معاناة بدنية أو عقلية بشخص معتقل تحت سيطرته لإجباره على الاعتراف بما ارتكبه أو بما لم يرتكبه أو بسبب التمييز أيا كان نوعه أو بسبب الانتقام أياً كان الدافع”.
ومن صور الاحتجاز التعسفي، ان يقوم به موظف يحمل صفة مأمور الضبط القضائي، إلا ان ممارسته تمت بالمخالفة للقانون، فمن يقوم بالقبض على إنسان دون إذن النيابة العامة يسأل عن جريمة إخفاء قسري لاحتجازه حرية إنسان دون سند قانوني، ويشدد العقاب في حقه، وعقوبته السجن مدة حدها الأدنى 7 سنوات والأقصى 15 سنة، ” أو ارتكب ذلك موظف عمومي متعدياً في ذلك حدود السلطات المتعلقة بوظيفته “، ولا يشترط أن يكون الموظف مأمور ضبط قضائي فقد يكون موظف مدني، بأي جهة عامة بما في ذلك رجال الشرطة أو الموظفين في الأجهزة الرقابية أو الادعاء العسكري، أو جهاز النيابة العامة.
كما يشدد العقاب إذا ارتكبت جريمة الإخفاء القسري لاحتجاز حرية إنسان على النحو المتقدم بيانه إذا “إذا وقع الفعل بقصد الحصول على كسب مقابل إطلاق السراح فإذا حقق الجاني غرضه كانت العقوبة السجن مدة لا تقل على ثماني سنوات”. والصورة هنا واضحة تستهدف من باعوا ضمائرهم بإخضاع إنسان لظروف لا إنسانية من أجل الحصول على مكاسب مالية.
ويتعين الذكر أن الاحتجاز التعسفي لا يقتصر على الصور المتقدم بيانها، بل أن الاحتجاز المشروع قد يتحول إلى احتجاز غير مشروع، مما يوجب مسائلة القائم به عن جريمة إخفاء قسري أيضا، وذلك في حال القبض على الشخص وفق إجراءات قانونية مشروعة، إلا أن الجهة المنوط بها تمديد إيقافه (الحبس الاحتياطي) أغفلت ذلك، فان تجاوز المدة القانونية يجعل الشخص محتجزا احتجازا غير قانوني، ويسأل الفاعل وهو الموظف العام المكلف بالقضية عن جريمة مشددة على النحو المتقدم بيانه.
ويسأل الموظف العام عن جريمة التعذيب للمحتجز سواء كان احتجازه قانوني أو غير قانوني، ويعاقب بالعقوبة التي أشرنا إليها أعلاه، كما يسأل من سكت عن جريمة التعذيب وهي جريمة مستقلة قائمة بذاتها، إذا كان الشخص موظفا عاما أو مدنيا قادر على إيقاف من يقوم بالتعذيب.
وتشدد العقوبة في حق الفاعلين والشركاء في جريمة التعذيب لتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن ثماني سنوات لإيذاء جسيم، وتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن عشر سنوات لإيذاء الخطير، وفي حالة وفاة المجني عليه بسبب التعذيب تكون العقوبة السجن المؤبد. (القانون رقم (10) لسنة 2013 بشأن تجريم التعذيب والإخفاء القسري والتمييز) مع تطبيق أحكام قانون القصاص والدية من وجهة نظري، إذا أراد الجاني إبراء ذمته في الآخرة، فقد نهينا عن الإساءة للناس بغض النظر عن ديانتهم أو جنسيتهم أو لونهم، فكيف إذا كان ضحية الاحتجاز مسلم؟ وبإذن الله نتحدث عن مسؤولية القادة والسياسيين في مقال قادم.