إجتماعيرأي

نجاح مصدق.. تكتب.. بائع المناديل وأحلام الفراشات

 

خبزة الطاجين الخبز المحور والمداس وخبزة الخضرة وأنواع أخرى اضافة إلى اأكياس مملؤة بمشتريات فاتحة للشهية جبنة ريقوطة وحليب مبستر وزيتون أسود واخضر وعسل وزعتر واكياس إما سحلب وإما بسيسه أو مخضور زميطة عالي الجودة والطحن كل هذا واكثر كانت تعج  وتفوح بها سيارة عمي الطاهر والد صديقتي التي جمعتني بها مدرجات الجامعة طيلة الاربعة سنوات وباعدت بيننا ظروف الحياة وزواجها المبكر لتنتقل  وتنقطع عني اخبارها 

عمي الطاهر هكذا كنا نناديه وهو آت في موعد عودتنا لمنازلنا بعد يوم دراسي مكتظ المشهد الذي رسمته الذاكرة بامعان هو ملامح عمي الطاهر وشكل السيارة المزدحم برفيقات ابنتيه وانا احداهن كنتُ قد شاركتهم عالمهم المختزل في تلك السيارة حين تأخر عني والدي رحمه الله يومًا.

في تلك الآونة لم اكن اتساءل لماذا سيارته لا تبدو مثل سيارات الآخرين؟ ولماذا لا تعود خالية إلا من ابنتيه و أصناف الخبز اليومي والاكياس الباذخة التي كان للرفيقات نصيبٌ من محتوياتها وسببا ومحفزا لفتح شهية لاينقطع

 كان موظفا كادحا  في إحدى الدوائر الحكومية بسيطًا وكريمًا رغم توسط وضعه المادي كان لا يرفض لبناته طلبًا ويدعي فهم وقدرة على كل ما يطمحن لتحقيقه 

اليوم وبعد كل هذه السنوات تجمعني به الصدفة وحدها في موقع لاشارة ضوئية مزدحم متفرع من طريق  وسط البلد لم تغب ملامحه الرصينة واسمراره إلا أن الشيب غزى شعره ولحيته وانحنى ظهره قليلا لا بل كثيرًا  وبدأ دون اسنان ولا حدة نظر كما كان وجدته يحمل علب مناديل بيد وبيده الاخرى طفلة في الرابعة من العمر ..ركنتُ السيارة جانبا وركضت نحوه 

عمي الطاهر:

نعم يابنتي

ماعرفتنيش؟

لا والله سامحيني 

اني نجاح صاحبة مريم 

غاب في تأمل بعيد هز راسه وناولني العلبة 

اهلا بيك هذي خوديها من غير فلوس اكيد  تبي كلينكس.

اعاز للطفلة بمد يدها للسلام

هذه بنت مريم

وبعد حديث مقتظب عدت ادراجي ممتلئة بحزن ووجع من نوع خاص كيف للايام ان ترمينا في ملعب نتوقع اننا نعرف زواياه وندرك مرماه ونحكم اشواطه؟

 وكيف للقدر أن يدفع أحدهم ليكون محاربا مدى الحياة لاجل لقمة العيش كانه اليوم يبدأ اليوم ينطلق ؟

ما الذي كان يحفظ لعمي الطاهر توازنه ويلقي عليه ستره ليظل مواطنا قادر على اعالة اسرته بصمود دون الحاجة لاحد ؟

ليس وحده بكل تأكيد فهناك كثر غير عمي الطاهر رمتهم الحياة وعرت سترهم فحسب اخر تقرير

 للبنك الدولي عن ليبيا بعنوان «ليبيا الآفاق الاقتصاديةسبتمبر 2022» تضمن

انهيار دخل المواطن بعد أن أُنهك الاقتصاد بسبب النزاع، حتى بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي في 2022 نصف قيمته قبل عام 2011.

بينما كان في 2011دخل المواطن الليبي أكثر من 15 ألف دولار سنويًّا، وانحدر في 2022 إلى 6000 دولار

الأمن الغذائي ازداد سوءًا هو الاخر بعد حرب أوكرانيا، وما عكسته من ارتفاع للأسعار وشُح المعروض، حسب تقرير البنك الدولي.

بلغ متوسط تكلفة الأغذية في سلة الحد الأدنى للإنفاق في مايو 2022 مستوى أعلى بنسبة 14 %، عمّا كان عليه قبل الأزمة في فبراير 2022.

وختم البنك بأن استمرار الإضرابات في حقول النفط وانخفاض مستوى الصادرات سيفاقم الفقر والجوع الذي تعاني منه أُسر محدودة الدخل .. ليست هذه الارقام تشاؤمية بقدر المصداقيه الملموسة التي نعيشها كل يوم نحن سكان الطبقة الوسطى والتى شبه تلاشت ولم يبق من ملامحها الا عراك ومجاهدة يظهران  جليا في تفاصيل حياة اصحابها.

هذه حقائق عن عديد اللييين وعن وضع مواطن كادح شريف من الطبقة الوسطى ماتت زوجته وتبدلت اوضاعه وارغمته الظروف ان يخرج لبيع المناديل الورقية  صحبة حفيدته الحالمة  التي تنتظر عودة امها المريضة  لتجهز لها خبزا مع افطار اقل بذخ وابسط من الاكياس التي كانت تملأ سيارة جدها ذات يوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى